ما هو السياق والأهداف من وراء تجديد الولاء لفرنسا من طرف النظام الرجعي القائم بالمغرب؟
"النفود" الفرنسي بافريقيا الآن يعتبر بداية نهاية الهيمنة داخل القارة الإفريقية.
تاريخ أسود هو ما ميز ويميز علاقة فرنسا بشعوب إفريقيا، حيث النهب والسرقة واستنزاف الثروات الطبيعية هو عنوان ارتباطها بمستعمراتها.
افريقيا غنية بخيراتها، إذ تمتلك ثروة طبيعية هائلة من نفط وذهب وألماس ويورانيوم ومنغنزيوم ونحاس وكوبالت زذ على ذلك الأخشاب و...، هذا المعطى/ العامل جعل فرنسا تتبنى عملية الافتراس في علاقتها بشعوب القارة السمراء. هذا التاريخ الإجرامي الذي ارتبط بها في علاقة بالقارة السمراء لم ينحصر فقط في هيمنتها على الاقتصاد وخيرات مستعمراتها السابقة، بل امتدت أياديها الإجرامية إلى وأد أحلام الاستقلال والتحرر التي راودت وتراود الشعوب الإفريقية، وذلك عبر قيامها بالإطاحة أو اغتيال كل من يسعى الى ذلك من حركات تحرر وطني أو قادة سياسيين أفارقة ويحاول استرجاع السيادة لبلدانهم والحرية لشعوبهم و الاستفادة من غنى مواردهم الطبيعية.
لم تكتف فرنسا بالهيمنة السياسية والعسكرية على المجالات الحيوية لمستعمراتها القديمة التي أصبح اقتصادها وثرواتها الطبيعية تحت رحمتها، بل تعدى هوسها إلى الهيمنة عليها ثقافيا، فأصبحت الثقافة واللغة وسيلة للحفاظ على مصالحها. فنشأت مراكز ثقافية ومدارس بعثات يتم من خلالها تكوين نخب محلية متشبعة بالثقافة الفرنسية.
ولضمان نجاحها في عملية النهب والسرقة واستنزاف الثروات أقدمت على تثبيت ثكنات عسكرية موالية لها، حيث دعم وخلق العصابات الإجرامية التي تتحكم فيهم وفق مصالحها، وتدعيم الانقلابات العسكرية خدمة لمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية؛ حيث شهدت القارة منذ 1950 حوالي 200 انقلاب كانت فرنسا اللاعب المركزي فيه، زد على ذلك ومن أجل تثبيت السيطرة الكاملة على شعوب القارة قيدت وكبلت شعوبها بمعاهدات، وللدقة مؤامرات خاصة عند منحها ما يسمى الاستقلال، أي الاستقلال الشكلي (المغرب كمثال)، حيث التحكم المطلق في كل المجالات، كما أحاطت بعض الدول بجدار مالي اسمه الفرنك الافريقي الذي لا يزال يسيطر وبقوة على حوالي 14 دولة، وهو تابع للخزينة الفرنسية وتربط سياستها النقدية باليورو.
إن الاقتصاد هو أهم وأبرز أهداف النفوذ الفرنسي في افريقيا حيث تمثل الشركات العملاقة الفرنسية أبرز سلاح لها، إذ تستفيد من اتفاقيات تفضيلية تمنحها حق التحكم في الثروات وتحويلها إلى السوق الفرنسية. وتعتبر الشركات توتال ومجموعة إريفا و إراميت أبرز الأذرع الناهبة للثروات، حيث تسيطر توتال على أبرز مصادر النفط فيما تسيطر إريفا على أهم مناجم اليورانيوم و إراميت على أهم مناجم المنغنزيوم...
ولأهمية هاته الشركات العملاقة ودورها المحوري في لقتصاد فرنسا، فقد تحولت مع مرور الوقت إلى دول داخل الدول الافريقية تتحكم في تفاصيل القرار السياسي بها والأمني، زيادة على التحكم الاقتصادي؛ بل يمكن القول إن عددا كبيرا من الانقلابات الافريقية كانت بسبب سعي رؤساد بعض الدول إلى الخروج من عباءة مجموعة توتال، كما أن حماية مناجم اليورانيوم في النيجر على سبيل المثال كان أول الأهداف الفرنسية في نشر قواتها في منطقة الساحل. وللارتباط التام بين السياسة والاقتصاد في تعامل فرنسا مع افريقيا، يشير وزير الطاقة السابق بيير فوما بأن المدة بين اكتشاف النفط في منطقة ما وبداية إنتاجه تستغرق ثماني سنوات. والسماح بحدوث تغييرات في السلطة كل عام يضر بمصالح فرنسا، لذا تبحث دوما عن الاستقرار. ولتحقيق ذلك لا تتوانى في دعم وتوطيد أركان أنظمة دكتاتورية في القارة كما تتحول هاته الشركات العملاقة إلى أذرع أمنية تسير جيوشا من الجواسيس والعملاء.
لقد أصبحت افريقيا ساحة تنافس وصراع متفاقمة بين القوى الإمبريالية العالمية تحاول كل منها اقتطاع جزء من دائرة النفوذ الفرنسي، وهم من جهة الدول المؤسسة لمجموعة بريكس كالصين وروسيا، ومن جهة أخرى الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا المدعومة من طرف الكيان الصهيوني والامبريالية عموما من جهة أخرى.
لكتسحت الصين السوق الإفريقية، حيث وصلت الاستثمارات الصينية 48 دولة وازدادت الاستثمارات ب 10٪ في 24 دولة منها، وأصبحت زامبيا نيجيريا وأنجولا وأوغندا والكونكو الديمقراطية وغيرها من المقاصد الرئيسية للاستثمارات الصينية (على سبيل المثال حجم استغلال الشركات الصينية في الكونكو الديمقراطية في استغلال الكوبالت وحده وصل100٪). وتعمل أكثر من 3000 شركة صينية بافريقيا في كل القطاعات من مناجم و أخشاب و سمك و..،
كذلك الصين لا تغفل الجانب العسكري، فقد أصبحت شريكا أساسيا في مجال التسليح، كما أقامت قاعدة عسكرية في جيبوتي.
الامتداد الروسي في العالم وبالخصوص في افريقيا عبر بوابات متعددة وخاصة الأمن والتجارة، حيث تمكنت روسيا في ظرف وجيز من إزاحة تسلط فرنسا سياسيا واقتصاديا عسكريا على مجموعة من الدول كالنيجر وبوركينافاسو ومالي وغينيا...
وفي الأيام القليلة الماضية، عبرت كل من تشاد والسنغال عن سخطهما وتمردهما ضد الوجود الفرنسي، وسعتا إلى إقامة قواعد عسكرية في دول عدة كمصر والسودان واريثيريا ومدغشقر والموزمبيق وافريقيا الوسطى، إضافة الى سعيها لحضور نوعي في منطقة الساحل. كما أن روسيا تستحوذ على 39٪ من سوق التسليح في افريقيا.
في الجانب الآخر، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تعزيز موقعها في غرب وشمال افريقيا واستطاعت أن تكون الحليف الأول عسكريا وأمنيا لبعض دول المغرب العربي (المغرب وتونس وموريتانيا)، فيما فقدت فرنسا سيطرتها السياسية والعسكرية والثقافية في الجزائر وتركيا. وتعمل على المشتركات مركزة على ملف الهوية والتعاون الإسلاميين، حيث تحظى هاته التوجهات لتركيا بكثير من الاحتفاء والتقدير لدى النخب السياسية والثقافية؛ وتحاول الدخول بشكل متزايد في النسيج الاجتماعي عبر المؤسسات التعليمية.
إذن هذه المعطيات وأخرى تجعل النفوذ الفرنسي في افريقيا يتجه إلى التآكل وإلى رفع اليد على السيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على مجموعة من دول افريقيا. الشيء الذي تجعلها تعيد تثبيت علاقتها مع العملاء لتلعب دور الوسيط في مجموعة من الدول، وهو ما أكدته زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى مجموعة من الدول، حيث لقي ترحيبا كبيرا لدى النظام الرجعي بتقديمه الطاعة والولاء من جديد، بينما تلقى صفعة قوية من دول أخرى كالكونكو الديمقراطية وغينيا، هذا الرهان على العملاء الذي ولد ميتا، سيصطدم بالتغيير الذي يتبناه الجيل الجديد لافريقيا والذي يصب في اتجاه المطالبة بالاستقلال السياسي والاقتصادي الحقيقي ومحاربة الاستعمار من بلدانهم، والذي أبانوا وعبروا عنه في كل الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي تفجرت مؤخرا في القارة السمراء نتيجة السخط الشعبي الذي وصلت إليه من جراء النهب والاضطهاد واستنزاف الثروات والقتل والدمار وتدعيم وتوجيه الانقلابات العسكرية التي أضحت مفضوحة أمام أعين الأفارقة...
.... وهذا ما عبرت عنه الجماهير الغابونية في تظاهراتها العارمة سواء في العاصمة ليبروفيل أو في المدن الأخرى كفرونس فيل أو مواندا، أو حتى على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي كالرسائل في الواتساب قبل تاريخ الإنقلاب المفبرك الذي قاده الجيش يوم 30اغسطس 2023، والذي أزاح من خلاله على بونجو، وهي شعارات منددة بالوجود الفرنسي وحتى المغربي منه "
dégage la France, dégage le Maroc”،
وكان هدف هذا الإنقلاب المفبرك هو إمتصاص السخط الشعبي ضد الرئيس بانجو الموالي لفرنسا والمغرب والحد من المد الشعبي، حيث المغرب حاضر على مستوى الشركات :
بنك الإتحاد الغابوني للبنك، attijariwafa bank
، شركة الاتصالات أورونج وفوداكوم،
معمل الأسمنت، CIMAF
، مناجم الذهب ،...)
وفرنسا حاضرة على مستوى التكنات العسكرية والشركات العملاقة :
شركات الأخشاب، Rougier
،إراميت وهي أضخم مجموعة لإستغلال المنغنزيومRAMET
والشركة العملاقة توتال،
سوكاف و هي شركة عملاقة لإستغلال السكر، SUCAF
و شركات أخرى في مجالات متعددة،
ونفس الشيء عبر عنه الشارع السنغالي في فبراير 2024 سواء في العاصمة دكار أو في زيغينشور،
حيث تملك فرنسا 250 شركة في البلاد، وتملك قواعد عسكرية ونفس الشيء حدث في غينيا كوناكري أو غينيا الفرنسية ،.. ،
إذن هذا الرهان المشلول أصلا سينكسر على صخرة عزيمة الشعوب الإفريقية نحو التغيير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق