العمل الفدائي في مأزقه الراهن
التنظيم في العمل الثوري ليس عملية ترتيب تقنية،بل هو انعكاس للموقف العقيدي ، و اذا هو مضى يشق طريقه دون هدي من الموقف العقيدي فسينتهي إلى صيغة تآمرية، وليس إلى صيغة ثورية ، سينتهي في أحسن الأحوال إلى صيغة عصبوية،أن التنظيم هو وسيلة النظرية إلى التنفيذ، وهو القارب أو الجسر الذي تحدث عنهما ماوتسي تونغ، والذي لا غنى عنها أو عن واحد منهما للعبور من ضفة القرار إلى ضفة الممارسة. فحين يقول الفكر السياسي أن المعركة هي معركة الجماهير فمن غير المنطقي أن يكون التنظيم _بعد ذلك_غير جماهيري.
حين يقر الفكر السياسي أن المعركة هي معركة الطبقات الفقيرة المستغلة، فمن غير المنطقي أن ينسج التنظيم بعد ذلك في قماشة بورجوازية أو أن يخضع لقيادة هذه البورجوازية.
و حين يقر الفكر السياسي أن العلاقة بين الفكر و العمل هيعلاقة جدلية، وأنه لا يوجد فكر مجرد لا يمارس ولا ترتد اليه التجربة بالاغناء ثم يرتد لها بالدليل، فإنه من غير المنطقي الا يضع التنظيم بعد ذلك مسألة الديمقراطية في صلب بنيانه . وحين يرى الفكر السياسي أن مرحلة المعركة و توترها يستدعيان اتخاذ القرارات السريعة و المرنة،فإنه من غير المنطقي _بعد ذلك_ألا ينعكس ذلك التنظيم باعتماد مبدأ الديمقراطية المركزية. وحين تقر النظرية الثورية أن المعرفة و الممارسة هما طرفا حركة جدلية لا تتوقف ، و أنهما تتبادلان مكاسبهما بصورة مستمرة، و أن حركتهما هذه تقتضي المضي في إجراء الإضافات و التصحيحات و التعديلات فإن التنظيم لا يستطيع _بعد ذلك _ الا يعتمد مبدأ النقد و النقد الذاتي أساسا من أسس علاقته .
و حين تقر النظرية الثورية أن الاستسلام الطبقي هو احتياطي الاستلام القومي ، و إن الاستسلام القومي هو توفير الظرف لفرض الاستسلام الطبقي فإن التنظيم لا يستطيع _ بعد ذلك الا يضع امتداداته العمالية و الفلاحية بالدرجة الأولى من نشاطه وان يمضي في هذه الامتدادات على مستوى الأمة .
و حين تستطيع النظرية الثورية ،بحكم كونها دليل عمل بالدرجة الأولى ،التقاط طبيعة المرحلة وسمة الفترة التي يجتازها الجهد النضالي ،فان هذا الالتقاط انما ينبغي أن يعكس نفسه فورا على طبيعة التنظيم و على أولويات مهامه ،وعلى أسلوب عمله في تلك المرحلة.
من الممكن أن نمضي في تعداد جوانب هذه العلاقة الجدلية بين النظرية و انعكاساتها التنظيمية،الى ما لا نهاية،ولكن ما يهمنا بالدرجة الأولى هنا هو على وجه التحديد تتبع هذه المسألة في مجال حركة المقاومة الفلسطينية،في مرحلتها الراهنة:إن التنظيم الثوري ،بصفته فصيلة طلائعية،مطالب بالضرورة،كي يستطيع أن يلعب دوره بصورة فاعلة ، ان ينجح في منع أمراض الواقع الذي يتصدى لتغييره،من أن تنتقل اليه عبر حركة الأفراد القادمين أصلا من ذلك الواقع و المحملين بالضرورة بعادته و طباعه و عقليته .وفي العالم المتخلف تتخد هذه المسألة مظهرا أكثر خطورة منها في أي مكان آخر،و تشكل واحدة من أولى المهمات العاملة للتنظيم الثوري.
ان ثقافة ما هي،كما هو معروف،ثقافة الطبقة المسيطرة،اما العادات فهي تراث اكثر رسوخا وتجدرا، وهيمنته اكثر عمقا وبالتالي فان اجتثات الجزء المتعفن منها هو عمل اشد صعوبة.على ان دلك كله،في حال تجاهله،يمكنه ان يعمل نخرا في التنظيم الثوري ان هو لم يعالج مند البدء بوعي،ويسطيع ان ينجح في النهاية في نقل امراض المجتمع الى التنظيم نفسه،بحيث يفشل التنظيم في تحقيق مهامه الاساسية،اد عند داك تحل العلاقات الشخصية محل العلاقات الموضوعية،والرؤية الداتية محل الرؤية العلمية،والصدامات العصبوية...محل التفاعلات الرفاقية،وتقديس الشخصية محل القيادة الجماعية،والفردية المزاجية محل الانضباط.ان المجتمع المتخلف قادر على نقل امراضه الى اي تنظيم ثوري ان لم يستطيع هدا التنظيم مسلحا ،بالنظرية العلمية، ضبط المسالة التنظيمية.
-عن الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق