"أكلة" التقاعد المسمومة تطبخ على نار هادئة...
"أكلة" التقاعد لا تشبه أكلة البطاطس التي يعرفها جيدا جيل "بوكماخ"، أو جيل الزمن "غير" الجميل، زمن الجمر والرصاص...
إنها "أكلة" مرة وعسيرة الهضم، بالنسبة لذوي الدخل البئيس، وحتى لأصحاب الدخل المتوسط؛ بالنظر إلى التردي الاقتصادي والاجتماعي المهول الذي يحاصر أوسع الجماهير الشعبية؛ وضمنها خاصة الطبقة العاملة، علما أن الزيادات المتتالية في الأسعار (وحدها) وتجميد الأجور، يعد بمثابة تخفيض لهذه الأخيرة...
لقد اجتمع بمقر رئاسة الحكومة، يوم الخميس 17 يوليوز 2025، بدعوة من رئيس الحكومة كل من ممثلي المركزيات النقابية المسماة زورا "الأكثر تمثيلية" وممثلي أرباب العمل ومدراء صناديق التقاعد ووزراء المالية والشغل والرقمنة وإصلاح الإدارة. وقام كل طرف من الأطراف المشاركة بدوره على أحسن وجه لتأكيد خلاصة خادعة، بل ماكرة، مفادها "الاتفاق على إصلاح توافقي لمنظومة التقاعد"...!!!
نتساءل بحسرة، من أين أتى ممثلو المركزيات النقابية التي لا "تمثل" إلا نفسها بهذه الجرأة، حتى لا نقول الوقاحة؟!
فكيف تبدو لها الشغيلة وعموم المعنيين بعد تمرير ما يسمى ب"قانون الإضراب"؟!
أي ثقة في النظام القائم وأدواته الطيعة؟!
من سيصدق خلاصة "الاتفاق على إصلاح توافقي لمنظومة التقاعد"؟!
ومن بين المضحك المبكي هو ما ورد في بلاغ للكنفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) حول الاجتماع برئيس الحكومة حول التقاعد، أي "تأكيد الكونفدرالية على أن أي انفراد بأي إجراءات أو قرارات أحادية، أو محاولة الإسراع بتمرير أي مشروع دون تفاوض حقيقي، فإن الحكومة ستجد أمامها الكونفدرالية والطبقة العاملة لمواجهتها"!!!
فهل ستتفضل المركزية النقابية "الأكثر تمثيلية" لتوضح للرأي العام وكافة المعنيين والمتتبعين كيف واجهت (والطبقة العاملة) "قانون" الإضراب المخزي؟!! لقد تم تمرير هذا الأخير في واضحة النهار، وصار اليوم واقعا مفروضا ومن تحصيل حاصل...
فهل صرنا أمام كونفدرالية "جديدة" ستواجه، بل ستهزم أحد عناصر مخطط طبقي محكم آخر، أي إصلاح منظومة التقاعد؟!!
إن القيادات النقابية البيروقراطية متواطئة مع النظام القائم، مثلها مثل الأحزاب السياسية المتخاذلة. ومن الوهم انتظار تصديها لمؤامراته ومخططاته الطبقية المملاة من طرف المؤسسات المالية الإمبريالية.
وأول مؤشر عن عمالتها وتواطئها وتجندها لتثبيت ما يسمى ب"السلم الاجتماعي" هو انخراطها بدون شروط في مسلسل التحضير لتمرير صفقة التقاعد المسمومة، ومتجاهلة كل المحطات السابقة التي تشهد على انفراد النظام القائم بالقرارات وتمريرها والإجهاز على العديد من المكتسبات... فكيف تقبل المركزيات النقابية "الأكثر تمثيلية" الخوض في هذا الورش/المسرحية دون إثارة مسؤولية الأطراف الأخرى، ونقصد النظام القائم مباشرة، وليس فقط الحكومة والباطرونا، فيما يتعلق بالفساد المستشري في صناديق التقاعد، ودون افتحاص أو محاسبة؟!!
إننا ندرك ومن هذه اللحظة وقبلها أيضا أن تمرير مخطط أنظمة التقاعد أمر واقع؛ وسيفرض، بل سيمر على أرضية طريق سيار، كما حصل بالنسبة لصنوه "قانون" الإضراب، وستتبخر "تهديدات" القيادات النقابية البيروقراطية وستذهب أدراج الرياح أمام فرص الريع و"الدعم" الدسم. ومن بين أخطر ما يروج له، إلى جانب رفع السن والتسقيف (تقليص المعاش)، ليصبح مسلما به، هو رفع نسبة الاقتطاع، مما يعني مباشرة تخفيض الأجر...!!!
والسؤال المغيب عن سبق الإصرار: لماذا استثناء الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية من تناول الموضوع وبلورة أشكال مواجهته، علما أن القيادات النقابية المتواطئة كما الجمعيات تخضع لهذه الأحزاب وتمارس "أوامرها"، ومنها من يمارس "أوامر" النظام القائم مباشرة، نقصد هنا الاتحاد المغربي للشغل (UMT)؟!
إن أسوأ ما نتعايش معه ببلادنا هو "النفاق" السياسي والاجتماعي!!
نعرف اللص/العدو، ونصفق له، بل نعانقه بمبررات واهية؛ لدرجة قد نبرر معها الخيانة..
نعرف الانتهازي، ونصافحه، بل نتستر عن جشعه وعن فضائحه وجرائمه...
نقصد النخبة السياسية والنقابية والجمعوية، نقصد بالضبط من يتشبه بالمناضل والرفيق...
إن أكبر خدمة نقدمها إلى شعبنا أن نكون نحن هم نحن، بدون أصباغ وبدون مؤثرات أو أقنعة أو أدوار ممسرحة، وأن نجهر بالحقيقة الساطعة والمرة مهما يكن الثمن...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق