غياب المحاسبة عنوان استفحال الإجرام...
الكل يعلم أن لازمة "ربط المسؤولية بالمحاسبة" حبرٌ على ورق وشعارٌ لدغدغة العواطف، كما العديد من الشعارات الرنانة الأخرى التي تُختزل في "رزنامة" أو حزمة حقوق الإنسان..
وبكل بداهة، من يحاسب من؟!!
ومن يحاكم من؟!!
أولا، الدولة أداة طبقية بيد النظام القائم؛
ثانيا، القوانين المعتمدة من وضع النظام القائم ولحمايته...
وباختصار شديد، فإن ما يُسمى بالمحاكمة العادلة في ظل النظام القائم ضربٌ من ضروب الوهم وكذلك المحاسبة أو "عقاب" المتورطين في الجرائم السياسية والاقتصادية والإدارية. بدون شك، تكون استثناءات في إطار تصفية الحسابات (أكباش فداء) من حين لآخر ومحاولات لتلميع صورة النظام...
ورسالتنا إلى كافة المناضلين هي ضرورة استحضار هذه المقدمات في إطار معارك بنات وأبناء شعبنا. فكل الجرائم المرتكبة في حقهم، عمال أو معطلين أو طلبة أو إعلاميين أو مواطنين بدون عنوان (...)، ليست ممارسات أو سلوكات معزولة، أو يمكن معالجتها خارج قوانين الصراع الطبقي. إنها أساليب ممنهجة ومرتبطة بصميم طبيعة النظام القائم اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي...
ومن بين هذه الأساليب القهرية الاعتقال السياسي الذي يُعد آلية من الآليات القمعية لفرض الهيمنة الطبقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وسيستمر مادام النظام القائم مستمرا. ومن يهمه النضال حقا ضد الاعتقال السياسي، لا يمكن أن يختزله في حالة دون أخرى، امرأة أو رجل، أو يعتبره ظاهرة عابرة...
إن مناهضة الاعتقال السياسي معركة طبقية، لأن الاعتقال السياسي قضية طبقية. وبدون هذا التعاطي الطبقي مع الاعتقال السياسي، سنسقط في الانتهازية والانتقائية؛ وهو ما نعيشه الآن بوعي أو بدونه...
فمن المرفوض نضاليا اختزال معركة الاعتقال السياسي في وضعية/حال رفاقنا. ونصير بالتالي "شعوبا وقبائل" للدفاع عن هذا المعتقل دون الآخر...
إن جميع المعتقلين السياسيين ضحايا القمع السياسي، ولا نقصد المتورطين في اغتيال المناضلين من قوى ظلامية وشوفينية. وإن الواجب النضالي يستدعي النضال من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ببلادنا، ضحايا القمع السياسي...
وأكثر من ذلك، فمعركة الاعتقال السياسي لا تنفصل عن معركة كافة الجماهير الشعبية المضطهدة، فمن يدعي خدمة الاعتقال السياسي دون خدمة قضية أوسع الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، فإنه بعيد كل البعد عن الفعل الثوري المطلوب. وقد يسقط في أحسن الأحوال في الذاتية المفرطة، إذا لم يسقط في أحضان النظام القائم...
هناك مرتزقة تحترف ركوب معاناة بنات وأبناء شعبنا باسم الدفاع عن حقوق الإنسان. إننا لا نعمم، فهناك أصوات حرة تحترق بتلقائية وعفوية. لكن لابد من إدراك حقيقة الصراع، لأن هذا الأخير لا "يرحم" ولا يقبل النوايا الحسنة. كما أن الحلول الفردية لا يمكنها أن تضع حدا للمعاناة والإجرام المستمرين...
قد تكون بعض الحلول الانفرادية ناجعة، وذلك حسب سياقات سياسية وشروط معينة؛ لكنها ليست حاسمة دائما أو سحرية. ويصدق الأمر نفسه بالنسبة للمبادرات الفردية والجمعية. وإذا كان الأمر يهم الأفراد أو حتى الجماهير الشعبية، فذلك لا يستدعي الإدانة أو الاستهانة. ونستحضر بهذا الصدد الانتفاضات الشعبية التي عرفتها بلادنا. إننا نعتز بها ونشيد بالتضحيات المقدمة في إطارها، لكننا نعترف بحاجتها إلى التنظيم والتأطير، وبدون تقديس. وعموما، فغياب هذين الأخيرين، أي التنظيم والتأطير، يقلص حظوظ نجاح كل المبادرات والحلول، وقد يسقطها في العفوية والارتجال...
ولابد أن نستحضر هنا أن النظام القائم وراء حمل الكثير من المحتجين إلى خوض معاركهم لوحدهم وبيأس قاتل أو تملق الريع والفتات، وذلك بعد تصفية الثقة في العمل السياسي وتوسيع دائرة العزوف عن التنظيم، من خلال تشويه العمل الحزبي والنقابي والجمعوي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق