عندما تتحوّل دروسُ شعبنا إلى صفعاتٍ مُؤلمة...
دروسُ شعبنا لا تتوقّف وكذلك صفعاتُه...
وعندما نقول "شعبنا المكافح"، فإننا نعرف ما نقول. شعبنا مكافح من أجل قضيته ومن أجل كافة القضايا العادلة، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني كقضية وطنية...
إنه بغضِّ النظر عن كُلّ خلفيات وسياقات وتسميات الانفجار الشبابي الحالي الافتراضي والميداني، لا يمكن عزله عن السيرورة النضالية التراكمية لشعبنا المكافح. إنه واقعٌ يفرض نفسه شئنا أم أبينا، فمهما يُجنِّد النظام القائم من أجهزة قمعية ومرتزقة وعملاء بالشارع مباشرةً أو عبر أزلامه من قوى سياسية ونقابية وجمعوية، فبنات شعبنا وأبناؤه، شيبا وشبابا ونساءً ورجالا، حاضرون دائما وناقمون باستمرار مادامت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا تزداد إلا تفاقما وترديّا...
إن شعبنا، بشبابه وشيوخه ونسائه ورجاله، ودون أي اختزال أو إقصاء مبتذلين (السِّن أو الجنس أو الانتماء الطبقي)، قد قدّم ويُقدِّم تضحيات جسيمة وباهرة، فمن الإضرابات والوقفات والمسيرات إلى الانتفاضات البطولية. والانتفاضات الشعبية والأعداد الكبيرة من الشهداء والمعتقلين السياسيين تؤكد ذلك. فحتى الآن، ما فتئ المعتقلون السياسيون يقبعون بسجون الذل والعار والهوان والعمال مشردون بالشوارع (حالة عاملات وعمال سيكوم سيكوميك بمكناس) والمعطلون يرزحون تحت وطأة العطالة وعموم الجماهير الشعبية محرومة من أبسط الخدمات الاجتماعية، من صحة وتعليم وسكن وشغل...!
إننا لا نستغرب ولم نُفاجأ بالإجرام المقنّن/المنظم والعشوائي الذي واجه به النظام القائم المحتجِّين بمختلف المدن والمناطق المغربية. إنه الأسلوب القمعي المُعتاد والذي يصل حد القتل (الدّهس العمْدي بالآليات القمعية، استعمال الرصاص الحيّ، السّحل بالشوارع والتعذيب بالمخافر القمعية، المحاكمات الصورية، الأحكام الثقيلة...)، تماما كما حصل في السابق إبان الانتفاضات الشعبية المجيدة، منذ انتفاضة الريف سنتي 1958/1959...
إنها فرصة، رُبّ ضارّة نافعة، لنذكِّر مُمجِّدي كذبة "الإنصاف والمصالحة" بتواطئهم وانخراطهم المفضوح في مشاريع النظام التصفوية بهدف تأبيد معاناة شعبنا وضمان خضوعه للذل والاضطهاد الطبقيين. إننا نعيش محطة فرزٍ سياسيٍّ بامتياز، وكلُّ من يدّعي خدمة قضية الشعب المغربي والطبقة العاملة، فإنها المناسبة الأمثل للتعبير عن ذلك موقفا وممارسةً. وأيُّ انجِذابٍ لكمِّ القوى الظلامية الغائب هذه اللحظة عن "سبق الإصرار"، وخاصة جماعة العدل والإحسان، يفضح ادعاءات أصحابه، وخاصة في صفوف الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع...
يقول المثل المغربي الدّارج "شْحالْ خْصْك من استغفر الله يا البايْت بلا عْشا"...
إن ما نعيشه اليوم وبهذه البشاعة القمعية يُفنِّد مرّةً أخرى كل الشعارات الفارغة من مثل الدولة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان...، ويفضح بالتالي تواطؤ القوى السياسية المتخاذلة والقيادات النقابية والجمعوية البيروقراطية. ويفرض الوضع الراهن مقاطعة اللعبة "الديمقراطية"، أي الانتخابات الجماعية والتشريعية والمهنيّة القادمة (2026). ودون ذلك، ليس غير استمرار الخنوع والضّحك على الذقون. وإنه المحكّ أو "الامتحان" أمام الشبيبات الحزبية أو بعض رموزها التي التحقت بالانفجار الشبابي الراهن، بما في ذلك تعايشها مع "الفساد" في صفوف هيئاتها، سواء الحزبية أو النقابية أو الجمعوية. كما أن السكوت عن أولوية إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وعن المناهضة الفعلية للتطبيع مع الكيان الصهيوني ليس غير انبطاح مكشوف ومُذلّ أمام تعليمات النظام القائم اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي...
إن شعبنا يقدِّم الدرس تلوَ الآخر، بحروفٍ من دم وبإرادة فولاذية. وإذا كان الدرس المتكرِّر الأول هو أن إرادة الشعوب لا تُقهر وأن هذه الأخيرة، أي الشعوب، آتيةٌ لا محالة بقيادة الطبقة العاملة، الطبقة الثورية حتى النهاية، فإن الدرس المتكرر الثاني الذي يسائلنا هو غياب الحزب الثوري المُنظِّم والمُؤطِّر. وقد تبث مرة أخرى أن إلحاحنا على الحزب الثوري له ما يبرِّره...
إننا نتألم فُرادى ونحن نتابع من خلال شاشات هواتفنا احتجاجات الشباب واضطهاد واعتقال الشباب وحتى "استسلامه" عبر اعتماد شعارات مهادنة وخنوعة من مثل "السلمية" و(احترام...). إننا عموما نتألم لقهر بنات وأبناء شعبنا، شبابا وشيوخا ونساء ورجالا. وإنه الدرس السياسي الذي لابد من استيعابه جيدا. كفى من التنطّع من أجل الذوات المريضة والمتجاوزة نضاليا وتاريخيا. كما أن الرهان على "البوز" وعلى الذات الفردية وشكلها، فلن يكرس غير نفس أُسُس هزيمة الأجيال السابقة واندحارها...
لنشتغل على تكامل "الأجيال" وتلاقحها نضاليا (بدل صراع الأجيال المصطنع في صيغة "شباب-شيوخ") حتى لا تضيع تضحيات وإنجازات الماضي وتطلعات واجتهادات الحاضر والمستقبل. فنحن جميعا نشكل الماضي والحاضر والمستقبل، وتكاملنا سيصنع بدون شك ثورة شعبنا الآتية، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية...
ولن نتوفق في صنع المستقبل دون بوصلة (لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية). إن الحماس والصدق لا يكفيان وكذلك الاندفاع أو التسرُّع. وكما سطّر أحد الحكماء:
"إن بطولة القيام بعملٍ تنظيميٍّ عنيدٍ وطويل النفس، على نطاق البلاد كلها، لهُوّ أصعب إلى ما لا حدّ له، ولكنه أرفع إلى ما لا حدّ له من بطولة الانتفاضات (رسالةٌ إلى عمال بيتروغراد، البرافدا، العدد 101، 23 أيار 1918).
إن المطلوب وبدون ذاتية أو أنانية هو طرح مجموعة من الأسئلة البسيطة عن الذات، ومن بينها:
أيننا من شعاراتنا المرفوعة، ذاتيا وموضوعيا؛ وأيننا من مهام المستقبل؟
اختصاراً، إذا لم نستفِق بعدَ هذه الصّفعات، وخاصة هذه الصّفعة الأخيرة المُؤلمة، متى يا ترى سنستفيق؟!
النصر لقضية شعبنا؛
النصر لقضيتي شعبينا، المغربي والفلسطيني؛
الحرية الفورية لكافة المعتقلين السياسيين؛
المجد والخلود لشهداء ثورتي شعبينا المغربي والفلسطيني...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق