لا عمل نقابي مكافح ومتواصل في غياب قوى سياسية مناضلة...
نعيش تخاذل القيادات النقابية بكل معاني الكلمة. وبكل وضوح ومسؤولية، فهذا التخاذل ليس وليد اليوم؛ لقد ترعرع منذ عقود وأمام أعيننا. ولن نجازف إذا قلنا إن البيروقراطية وُلدت مع ولادة المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955. ولأن البيروقراطية تحمي نفسها وتدعم خُدّامها وتحظى برضا النظام القائم وعونه، فإنها لا تتردّد في "طحن" كل من يقف في طريقها أو يعرقل مشاريعها التصفوية. ومن بين أخطائنا القاتلة الانسحاب من المعارك التي من المفروض أن تستمر حتى إسقاطها. لقد كانت خياراتنا منحصرة في الانسحاب من صفوف العمل النقابي نهائيا أو معانقة أشكال فعل أخرى، كالعمل الحقوقي مثلا أو العمل الجمعوي عموما، أو اللجوء الى ممارسة نفس "اللعبة"، أي تأسيس نقابة جديدة والسهر على تشكيل بيروقراطية جديدة وهكذا دواليك. وتأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل أواخر سنة 1978 مثال صارخ...
إن تغوُّل البيروقراطية على رأس النقابات لا يعود فقط الى دعم النظام لها، فقد ساهمت الأحزاب السياسية الرجعية وحتى الإصلاحية في تزكية جرائمها في حق الشغيلة، قطاعيا ومركزيا. فلا محاسبة ولا فضح للقيادات البيروقراطية ورموزها المتورطة في الفضائح المخزية، باستثناء الكتابات القليلة لبعض المناضلين أو النقابيين أو الصحافيين...!!
إن الأحزاب السياسية والقيادات النقابية البيروقراطية شركاء النظام القائم في تنزيل المخططات الطبقية المدمرة التي تعمِّق معاناة الجماهير الشعبية المضطهدة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، من جهة ومن جهة أخرى تعيق أي محاولة لقلب موازين القوى السياسية والانفلات من دائرة الاستغلال والبؤس...
ومرة أخرى، نعتبر إسقاط البيروقراطية في صفوف النقابات المركزية والقطاعية معركة سياسية بالدرجة الأولى. وتحضُر هنا بقوة مسؤولية المناضلين في رفع هذا التحدي الذي يدخل ضمن مهامهم، بل أولوياتهم في خضم الصراع الطبقي. فكما يسعى المناضل الى بناء التنظيم الثوري كآلية تنظيمية وتأطيرية، فلا يتزحزح عن القيام بمهامه النضالية الأخرى، ومن بينها التصدي للبيروقراطية. وكل من يخضع لهذه الأخيرة وشروطها (الكولسة والتنسيق...) أو يتقاسم معها "المناصب" والكراسي (الريع والفتات...)، فليس مناضلا. إن ممارسة هذه "اللعبة" الحقيرة وتحت أي مبرر يدخل في خانة خيانة الشغيلة والتآمر عليها وبالتالي تكريس معاناتها وإعاقة نهوضها...
وحتى لا نكون واهمين، فلا عمل نقابي مكافح ومتواصل في غياب قوى سياسية مناضلة. لقد عشنا بعض التجارب النقابية القوية التي تُعدُّ مرجعا في العمل النقابي الكفاحي، وذلك بصمودها وتضحياتها وبانتزاعها للعديد من المكتسبات لفائدة الشغيلة، لكنها لم تستمر تحت ضربات النظام القائم والبيروقراطية. والخلاصة، ليعمل المناضلون على تحصين العمل النقابي الكفاحي من خلال محاربة البيروقراطية وتنظيم صفوفهم والتجذر في خندق الشغيلة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة...
وندرج في سياق "تناول" معضلة العمل النقابي ببلادنا هذه الفقرة المعبرة من عمل سابق (29 دجنبر 2016) لتيارنا السياسي المناضل، تيار البديل الجذري المغربي (C.A.RA.M) بعنوان "ما هي مهمتنا الملحة اليوم؟ معاركنا و"معاركهم"...":
"إن مهمة الثوريين، الملحة والآنية، في الظرف الراهن هي البناء، البناء القاعدي، البناء الثوري، البناء من تحت، وتمثيل المصلحة التاريخية للأغلبية بقيادة الطبقة العاملة، وتجسيد صوتها الجهور وضميرها السياسي بالحفاظ على، وإنتاج الموقف الجذري والعلمي، المعبر عن طموحات الجماهير الشعبية في التحرر والانعتاق، والمنسجم والأهداف التاريخية والاستراتيجية للحركة الماركسية اللينينية المغربية منذ بداية سبعينات القرن الماضي، في ظل الانبطاح المستشري والتيه السياسي المنتشر وحركية الذوبان والخنوع وسط الليبراليين والبيروقراطيين والمتخاذلين والبياعة المتسترين بالشعارات الثورية، والانسياق خلفهم، ومعانقتهم. لأن قضية الثوريين هي التغيير الجذري وليس الإصلاح أو المساومة.. فأحزاب الولاء الخاضعة والمنبطحة والجبانة، والنقابات الصفراء والقيادات البيروقراطية المافيوزية التي احترفت المتاجرة بمآسي العمال والفلاحين الفقراء وشيدت مصالحها الضيقة على حساب كدحهم ومعاناتهم في كل من الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والتحالفات الهجينة المبنية مع القيادات الفاسدة والعميلة التي امتصت وتمتص باستمرار، ومنذ عقود، دماء شعبنا، والعناصر التي انكشفت أدوارها في المتاجرة بالشعارات، المرتبطة إلى أخمص قدميها بمافيا المال والفساد والارتزاق، والمدعومة من طرف النظام؛ كل هؤلاء أعداؤك يا شعبنا العظيم وهم حراس النظام، الذين مارسوا الجرائم الفظيعة في حق أبنائك...".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق