المناولة السياسية والنقابية والجمعوية...
إن التعريف البسيط والمُبسَّط للمناولة هو كونها "عملية الاستعانة بمؤسسة أخرى (شركة المناولة) لتقديم خدمات أو تنفيذ مهام معينة نيابة عن مؤسسة أخرى (المؤسسة الأصلية)"، في ظل نظام رجعي. وإنها بالضبط حال شركاتنا السياسية والنقابية والجمعوية؛ ونقصد بالواضح الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، وبتفاوت شكلي باستثناء الإجماع على تشويه الديمقراطية الداخلية. فهذه الأخيرة تُذبح وتُسلخ أمام مرأى ومسمع العالم...
لقد كان النظام القائم، والى حينٍ قريب، مضطرا الى القيام بكل المهام القذرة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. كان ذلك عندما كانت الأحزاب السياسية (بعض الأحزاب) أحزابا سياسية بالفعل، وعندما كانت النقابات (بعض النقابات) نقابات بالفعل، وعندما كانت الجمعيات (بعض الجمعيات) جمعيات بالفعل؛ وطبعا عندما كانت الأوضاع الإقليمية والدولية غير الأوضاع الراهنة، حيث الهيمنة المطلقة الآن للامبريالية والصهيونية والرجعية، عكس المجابهة سابقا وروح التضحية والوفاء للشهداء وخدمة للقضايا العادلة. وإن العربدة والدمار الوحشيين الحاليين لهذا الثالوث في حق الشعبين الفلسطيني والإيراني يؤكِّدان ذلك، الى جانب معاناة الشعبين اللبناني والسوري وباقي شعوب المنطقة وبعيدا عنها...
فبعد كسر "شوكة" الأحزاب السياسية، وخاصة منها المحسوبة على "المعارضة" سابقا (حتى لا نقول اليسار)، وتدجين القيادات النقابية والجمعوية والإعلاميين (الصحافيين والمدونين...) وأشباه المثقفين، وبمعنى آخر تدمير واحتواء آليات المقاومة والتصدي، أي الأحزاب والنقابات والجمعيات (نظريا)، أخضع النظام القائم الحياة السياسية لهيمنته المطلقة؛ لدرجة صارت الجماهير الشعبية المضطهدة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وجهاً لوجه مع إجرامه المستمر، خاصة ما يتعلق بالقمع الشرس للانتفاضات الشعبية ومختلف أشكال الاحتجاج والتعبير، ومنه التضييق والتشريد والاعتقال والاغتيال...؛ أما تمرير المخططات الطبقية المملاة من طرف المؤسسات المالية الامبريالية فقد آلت لشركات المناولة السياسية والنقابية والجمعوية، أي الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات. ويكفي أن نشير الى جرائم الخوصصة وتقنين آليات نهب خيرات بلادنا و"الإفلات من العقاب" والى القوانين المجحفة للتقاعد والتعاقد وتخريب الوظيفة العمومية وتدمير المدرسة العمومية وتوسيع رقعة التطبيع مع الكيان الصهيوني...
لقد صار شعبنا اليوم في مواجهةٍ مباشرةٍ مع شركات المناولة، ولا يُطِلُّ النظام القائم ببشاعته وشراسته وبطشه إلا في حالة استعصاء الأمر على شركاته، أي أحزابه ونقاباته وجمعياته، وكثيرا ما يحصل ذلك مع اشتداد حدة الصراع الطبقي. وطبعا، لا يتوانى في اللجوء الى أقسى أساليب القهر في حال تجاوز سقف شركات المناولة...
وكنموذج لاجتهاد شركات المناولة، وبالضبط المناولة الجمعوية، ندرج بلاغا لتشكيلة من الهيئات الجمعوية يصل عددها الى 23 هيئة ضمنها هيئة شكلية أو مكرّرة (يوجد نص البلاغ رفقته). وهي الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان. فهذا الأخير، أي الائتلاف مكوّنٌ من جل الهيئات الموقِّعة، ورغم ذلك يوقع الى جانبها (عبثٌ وهزل)!!
والبلاغ يعني هيئةً تسمِّي نفسها "المبادرة المدنية". ومما جاء فيه "عقد ممثلو الجمعيات المنضوية تحت لواء المبادرة المدنية المكونة من عدد من الجمعيات الحقوقية المهتمة بمكافحة الفساد وحماية المال العام ومحاربة الرشوة اجتماعا يوم الثلاثاء 17 يونيو الجاري بمقر الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة قصد مواصلة التنسيق لمواجهة ما اقترحته الحكومة من تعديلات تمس قانون المسطرة الجنائية، وتستهدف دور المجتمع المدني في التصدي لمظاهر الإفلات من العقاب المرتبطة بالجرائم المالية ونهب المال العام والإثراء غير المشروع..."...
أولا، أين الهيئات السياسية والنقابية أو شركات المناولة بهذا الشأن، وهو الموضوع المرتبط بكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟!!
ثانيا، إذا اعتبرنا تنسيق الجهود أمرا مطلوبا وضروريا، ما هو دور "المبادرة المدنية" في ظل وجود "الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان" المكون من 20 هيئة؟!!
ثالثا، من يتحمل مسؤولية هذه "الفوضى" (الخلاقة)؟!!
وللدقة، فمهام وأدوار شركات المناولة السياسية والنقابية والجمعوية لا علاقة لها بحل المشاكل أو اقتراح الحلول أو تجاوز المعضلات القائمة. إنها أدوات "مكسّرة" الغاية منها تكريس هيمنة النظام القائم وتبرير جرائمه وتمرير مخططاته بسلاسة، وذلك من خلال أشكال تعبيرية باردة وسوريالية (وقفات أمام البرلمان وشعارات بالية ومبتذلة ومسيرات بهرجة واستعراض العضلات بالعاصمة الرباط، وخاصة من طرف القوى الظلامية التي تتباهى بأعداد "قنديلاتها وقناديلها"...) لامتصاص الغضب وتبديد الاحتقان...
كفى من العبث والضحك على الذقون...!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق