الاتحاد المغربي للشغل: موخاريق يشد على يديه بحرارة...
تأسست المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل (UMT) في 20 مارس 1955، وتعتبر حتى الآن وبالأرقام أكبر مركزية نقابية بالمغرب، كما تعد قيادتها في الماضي والحاضر وبالوقائع أكبر، بل أبشع بيروقراطية على الإطلاق. بدون شك، البيروقراطية واحدة في صفوف الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات بالأمس واليوم، لكن ما يُؤلم بكل المقاييس هو "مُبايعة" أشباه المناضلين من مختلف مواقعهم للبيروقراطية ومُباركة جرائمها في حق العمال والشغيلة عموما وبدون خجل. ولا يخفى أن معانقة البيروقراطية لا تختلف عن معانقة النظام...
إننا نعتبر الخطأ الأصلي في التشتيت القاتل (التعدد النقابي) ببلادنا يكمن في مغادرة أسوار الاتحاد وتأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT). ولا نشك في أن هناك مؤامرة خفية متعددة الأطراف وراء حدث أواخر سنة 1978، وأكبر طرف مهندس للصفقة هو النظام القائم حماية لأزلامه وأياديه الباطشة، وخاصة "الامبراطور" المخلص المحجوب بن الصديق الذي رحل وآخرون دون محاسبة وفلتوا بجلدهم دون عقاب.
فكيف لمركزية نقابية جديدة "زلزلت" الساحة السياسية وليس فقط النقابية وبدعم حزبها "القوي" حينذاك، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (USFP)، ألا تُسقط القيادة البيروقراطية المعزولة على رأس الاتحاد المغربي للشغل؟!
لقد آن الأوان لمراجعة بعض "اليقينيات" التي قادتنا الى الحضيض وأعاقت تطورنا وأغرقتنا في وحل البيروقراطية والانتهازية...
واليوم، وفي أجواء المؤتمر الثالث عشر (13) للاتحاد المغربي للشغل، نعُضُّ على أصابعنا ونتباكى على أكتاف بعضنا البعض. والخطير أن بوصلتنا "المُعطلة" توجهت فقط نحو إقصاء بعض المؤتمرين (04) والولاية الرابعة "للإمبراطور" الثاني للاتحاد، أي توجيه الأنظار بعيداً عن الأعطاب والمعضلات الجوهرية، علما أن تناول الجوهر لن يغفل الشكل!! وذلك في الوقت الذي غاب فيه نقاش الوضع التنظيمي والمالي للاتحاد وتقييم أثر وتأثير الإضراب العام ليومي 05 و06 فبراير 2025 وسبل التصدي لتمرير قانون الإضراب والقوانين المجحفة القادمة ومنها قانون التقاعد وللأشكال القمعية واستمرار المعتقلين السياسيين في سجون الذل والعار ودراسة آفاق العمل لوقف زحف المخططات الطبقية الحالية والقادمة المملاة من طرف الامبريالية ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني...
والأكثر خطورة انخراط أشباه المناضلين في الجريمة كاملة الأركان في حق العمال بالخصوص. وما يثير الانتباه هو استمرار رفاق "المقصيين" في أشغال المؤتمر مُعزّزين ومُكرّمين ودون احتجاج مسموع، بل وتمثيلية بعضهم (02) بالأمانة الوطنية، وهي تزكية ثابتة للمؤتمر/المؤامرة!! وأكثر من ذلك، متمنيات "المقصيين" بدورهم من خلال رسائل فردية متشابهة المضمون النجاح للمؤتمر!! فأي نجاح وانطلاق المؤتمر، وهذا الأخير، جملة وتفصيلا، ملطّخ بدم وعرق الكادحين بمختلف القطاعات، تكريسا للتردي الاقتصادي والاجتماعي ولشروط الذل والمهانة!!
والمفارقة المسكوت عنها أن يكون الرفيق عبد الحميد أمين واحدا من المؤتمرين في سن الثمانين (80)!! أليس بالجامعة الوطنية للفلاحة شباب غير أمين (حرام عليهم، حلال علينا)؟!! أم أن ما يهم هو الإثارة الإعلامية، وبالتالي ابتزاز البيروقراطية، وخاصة "الإمبراطور الثاني" موخاريق (75 سنة)، خادم النظام والباطرونا، على درب معلمه المحجوب بن الصديق (الإمبراطور الأول)، لاستجداء بعض المقاعد بهياكل الاتحاد؟!! إنها مناورة مكشوفة وطعن في المبدئية والصدق النضاليين...
إننا لا نتيه وراء العموميات الفجّة وترديد الشعارات الجوفاء إرضاء لذوات مريضة، ولن نسقط في فخّ الإثارة المخدومة. فمن واجب المناضل الثوري وضع الأصبع على الجرح مهما يكن الثمن. وعليه، فلابد من فضح عملاء النظام القائم المتسترين وراء العمل النقابي، كيفما كانت أو تكن ألوانهم السياسية؛ ودون أن يجعلنا ذلك في منآى عن القضايا الحارقة للجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة. فلن نصمت واستمرار المعارك البطولية للعمال، ومن بينها معركة عاملات وعمال سيكوم-سيكوميك بمكناس. وكل التقدير النضالي لرفاقنا، جنود الخفاء، الذين يواكبون المعركة عن قرب وبكل إمكانياتهم وبدون بهرجة...
إن المناضل الثوري لا يسكت عن البيروقراطية هنا، حيت "قبيلته"؛ ويُقيم الدنيا ولا يُقعدها إذا سادت هناك، حيت "قبيلة" أخرى!!
إن المناضل الثوري لا يقول الشيء ونقيضه، ولا يعانق "الأخضر واليابس". إن المناضل الثوري منسجم دائما، قولا وفعلا...
ومن ينتقد البيروقراطية لا يجب أن يكون بيروقراطيا، ومن ينتقد الانتهازية لا يجب أن يكون انتهازيا، ومن ينتقد التحريفية لا يجب أن يكون تحريفيا...؛ وعموما من ينتقد النظام لا يجب أن يكون عميلا...
فمن الصعب الآن وضع الثقة في شخص يدّعي النضال مادام جل "شيوخ" النضال وبعد أن قضوا سنوات في سجون الذل والعار قد خانوا وارتدّوا وباعوا وعانقوا النظام...!!
والخطير كذلك شراء "المناضلين"، أي أشباه المناضلين ومنحهم الإمكانيات (التنقل والسخاء المالي والغذق على ذوي الأيادي الممدودة، حتى "للشيطان"...) وامتيازات من أجل التضليل والتغليط وملء الفضاءات الفارغة. وقد دأبت على ذلك رموز عديدة لكسب الأنصار وعزل المناضلين. وبالمناسبة، كيف حصن "الباطرون" موخاريق، "حصان" النظام، مؤتمره وقطع الطريق على مناوئيه؟!!
إنه المال القذر الممنوح كريع وأداة للتركيع...
إنها مؤشرات فاضحة، وقد تفيد في فرز المناضل حقا عن شبه المناضل. ولأن جذورنا النضالية عميقة عمق جذور شهداء شعبنا، ووفاء لكافة شهدائه، لن نتوانى في بذل كل التضحيات لخدمة قضيتنا الواحدة، وبعيدا عن أعين النظام والأعين المبثوثة في كل مكان. ونرى الآن أن المدخل لذلك هو الاشتغال على بناء الأداة الثورية الماركسية اللينينية القادرة على جمع شتات المناضلين حقا، من عمال وفلاحين فقراء ومثقفين ثوريين؛ وبالتالي تنظيم وتأطير نضالات واحتجاجات أوسع الجماهير الشعبية...
ومن بين ما يؤكد الأهمية القصوى والضرورة الآنية لهذا المدخل النضالي هو عجزنا كمناضلين، أفرادا معزولين و"مُجيْمِعات" معدودة على الهامش، عن التصدي لمؤامرات النظام والقوى الرجعية وضمنها القوى الظلامية والشوفينية والباطرونا والبيروقراطية...
والمؤتمر الأخير للاتحاد المغربي للشغل (21 و22 و23 فبراير 2025) مِرآة فضحت "قُبحنا" وامتحان كشف عجزنا وأتاح لأشباه المناضلين فرصة تشويه رصيد الشهداء والمناضلين حقا وامتطاء تضحياتهم...
لقد آن الأوان ليبحث المناضل حقا عن المناضل حقا في معمعان الصراع الطبقي، وليس بالفايسبوك وباقي وسائل التواصل الاجتماعي. فلا نُبخِّس هذه الواجهات التواصلية (سيف ذو حدين، وشرّ لابد منه)، لكن الاقتصار عليها وحدها مُدمِّر، بل قاتل...
ولنأخذ العبرة من بعض ما يروج بالفايسبوك (خُذوا الحكمة من أفواه المجانين)، مثل من يعجز عن إسقاط البيروقراطية، كيف سيُسقط نظاما؟!!
إن من بين متطلبات المرحلة أيضا إبداع أشكال تواصل لحماية المبادرات النضالية الجادة والكفاحية، علما أن جل الإطارات، سياسية ونقابية وجمعوية، مخترقة من قبل مختلف أجهزة النظام القمعية والمخابراتية...
ما رأي الأحزاب السياسية التي شاركت في "المهزلة" من موقع "المعارضة"، حتى لا نقول "اليسار"، ونعني الحزب الاشتراكي الموحد (PSU)؟!! وما رأي الأحزاب التي لم تشارك، رغم "اشتغالها" في صفوف الاتحاد؟!!
ومن بين ما يشوش على الفعل النضالي الجاد والكفاحي تفريخ الإطارات الشكلية، بخلفية خلق "مناصب شغل" للعاطلين/المعطلين في صفوف الأتباع والحواري وتسليط الأضواء على وجوههم أكثر من تسليط الضوء على القضايا العادلة التي ينتحلون صفة الدفاع عنها...
واليوم، نعم اليوم، أين كفاحية النقابات، كل النقابات أمام معركة عاملات وعمال سيكوم-سيكوميك بمكناس؟!!
اليوم تخترق سكاكين "الرفاق" أجسام الرفاق...
أيها الرفاق، أيها المناضلون، كفى من التعايش مع العبث، سواء النقابي أو السياسي!!
لنرفع التحدي ونتجاوز الخطوط الوهمية للنظام وجوقته، أحزابا سياسية رجعية ومتخاذلة وقيادات نقابية وجمعوية بيروقراطية وانتهازية...
ولتكن ذاكرتنا قوية وعودنا صلبا؛ فهل ننسى من كسر العديد من المعارك البطولية للعمال، ومن بينها معركة عمال جبل عوام...؟!! وهل ننسى حضور الجلاد ادريس البصري سيء الذكر جلسة افتتاح مؤتمر الكنفدرالية (CDT) سنة 1997؟!!
خلاصة القول، إن مواجهة البيروقراطية لا تقتصر على نقابة واحدة. إنها معركة سياسية متواصلة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق