سنوات الرّصاص لم تذهب حتى تعود...!!
سنوات الرّصاص مستمرّةٌ وستستمرّ مادام النظام القائم مستمرّاً؛ كفى من التضليل وتسويق الوهم/الأوهام...
ماذا حصل؟
كانت كذبة، فصدّقها البعضُ (بسوء نيّة)، بل وانخرط فيها وساهم في نشر تفاصيلها والتطبيل لها (ودائما بسوء نيّة). وعُمق المسألة لا يكمُن في "صدّقها"، بل في التواطؤ مع مهندسيها وأبطالها عن سبق الإصرار وبدون شروط، حتى صارت ادعاءً وتغليطاً بعنوان "التجربة الرائدة التي يُحتذى بها في مجال العدالة الانتقالية على الصعيد الدولي"...!!
عجيب...!
وبغضِّ النظر عن شعارات العهد الجديد الخادعة، فإننا نقصد بالكذبة التي لا تنطلي على المناضلين حقا ما سُميّ في حينه ب"هيئة الإنصاف والمصالحة". اليوم، رحل العديدُ من مهندسي الكذبة الكبرى، ومن بينهم معتقلين سياسيين سابقين "غِلاظٍ شِداد"؛ وغاب "الحيّاحة" المُموّلون والمستفيدون من مختلف أشكال الريع، وابتلع المُبشِّرون بطي صفحة الماضي ألسنتهم واختفى أولياؤهم "غير الصالحين"، ومنهم من انسحب في صمت خجلا، ومنهم من افتعل الضجيج لحظة احتضاره وقاحة...
في آخر المطاف، لا يصِحُّ إلا الصحيح. سقطت الأقنعة وزالت المساحيق، ويعلم الجميع الآن أنها كانت بالفعل كذبة، أي بالدارجة المغربية "قالْبْ" مكشوف. ورغم ذلك، لا نقد ذاتي ولا فعل في مستوى الاعتراف بأن سنوات الرصاص مستمرة ولم تذهب في يوم من الأيام، حتى نقول إنها عادت. وكما القمع مستمر بشتى صوره وأساليبه، من التعذيب والقتل إلى الاعتقال والتضييق والتشريد...، يستمر كذلك التواطؤ و"التطبيع" مع واقع بئيس يعُجّ بالجرائم في حق بنات وأبناء شعبنا...
وأبشع ما وقّع عليه بالخمسة (خمسة أصابع) رموز الذل، أبطال كذبة الإنصاف والمصالحة وقبلها "التناوب الديمقراطي" (التوافقي) هو السكوت عن الحقيقة بشأن العديد من الشهداء، من بينهم المهدي بنبركة وعبد اللطيف زروال والمعطي بوملي وباقي المختطفين ومجهولي المصير...، الى جانب السكوت عن مسؤولية المتورطين في الإجرام السياسي (ما سُمي "لطفا" بالمتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان)!!
إن الطبيعي، بعد وضوح صورة استمرار سنوات الرصاص في الشق السياسي وكذلك الشق الاقتصادي والاجتماعي (نهب خيرات شعبنا والخضوع لتعليمات المؤسسات المالية الامبريالية وتنزيل المخططات الطبقية "المُفْضيّة" الى المزيد من التفقير والاستغلال والاضطهاد...)، أن ترتفع حدة المقاومة وأن تتطور أشكال التصدي النضالي لإجرام النظام. لكن ما يحصل اليوم هو بالفعل مقاومة شعبنا وتصديه بالصدر العاري لنيران العدو (شهداء ومعتقلون سياسيون ومشردون ومعارك نضالية مشتعلة...)، لكن بالمقابل تواطؤ القوى السياسية المتخاذلة وانبطاح القيادات البيروقراطية النقابية والجمعوية...
الخلاصة بهذا الصدد هو أن المنبطحين اليوم كانوا منبطحين بالأمس أيضا وعن اقتناع. وبالتالي فعن أي نقد ذاتي نتحدث؟
إن النقد الذاتي قيمة وسلوك ثوريان يصدران عن المناضل الثوري وعن التنظيم الثوري عندما يدركا سقوطهما في الخطأ، وطبعا ليس الخطأ القاتل. أما الانتهازيون، أفرادا وتنظيمات، وبمختلف أصنافهم وتوجهاتهم السياسية والإيديولوجية، فحتى نقدهم الذاتي لا يعني شيئا، لأن الأمر لا يعدو كونه "انحناء" ومناورة لمرور العاصفة. وقد عشنا ذلك باستمرار، خاصة في صفوف الإطارات الجماهيرية، نقابية وجمعوية...
عموما، لا ننتظر الصفقات أو "الهدايا" (النقد الذاتي أو الاعتراف أو المكافأة والتعويض، أي الرشوة بالواضح...). إننا نقوم بالواجب النضالي ومن موقع نضالي تجاه شعبنا، وفي مقدمته الطبقة العاملة. إن نبراسنا هو الشهداء وتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجل انتصار قضية شعب مكافح، أي الشعب المغربي...
إن لنا ذاكرة غير ذاكرة السمك، ذاكرة تفضح أشباه المناضلين وحواريهم، وفي مقدمتهم العديد من ضحايا القمع السياسي، الذين يأتون بالشيء ونقيضه ويقتاتون ببشاعة على مُعاناة ومِحن بنات وأبناء شعبنا ويعانقون العناصر المشبوهة والمتورطة في خدمة أجندات النظام القائم بالحجة والدليل...
ختاما، "الشكارة" تغري؛ و"صاحب الشكارة" يقتل...
أما سنوات الرصاص، فمستمرة بمدينة مكناس (محنة عاملات وعمال سيكوم سيكوميك) وبالحوز (ضحايا الزلزال) وبمدينة بنجرير (محنة عائلة الشهيد ياسين شبلي وشقيقيه المعتقلين سعيد وأيمن) وببومية (الراعي الشهيد) وبمدينة الدار البيضاء (اعتقال الناشطة والمدونة سعيدة العلمي) وبكافة السجون والمدن والمناطق المغربية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق