كيف سيتخطى نضال شعبنا العفوية؟
تفاعلا مع اللحظة السياسية الراهنة، خاصة ودينامية الاحتجاج التي يعرفها الشارع الآن، نعيد نشر جزء معبر من عمل سابق لتيارنا السياسي المناضل، تيار البديل الجذري المغربي (CARAM) بعنوان "كيف سيتخطى نضال شعبنا العفوية؟ على ضوء ذكرى انتفاضة يناير 1984؟"، بتاريخ 13 يناير 2016.
وإذ نجدد تأكيدنا على أهمية الفعل النضالي بالشارع، سواء في صيغته المنظمة أو العفوية، نلحُّ على ضرورة بناء التنظيم السياسي الثوري الذي من شأنه تأطير وتوجيه نضالات بنات وأبناء شعبنا، دون وصاية أو انتظارية. ونعتبر انخراط المناضلين الماركسيين اللينينيين، كل من موقعه السياسي أو النقابي أو الجمعوي أو الإعلامي...، في دينامية الاحتجاج الحالية ضرورة نضالية تنسجم والمهام النضالية المطروحة على عاتقنا. وفيما يلي النّص المذكور :
"إن الواقع المغربي واقع اختناق وتذمر على جميع المستويات، وهذه حقيقة لم يعد الجدال حولها. إنها حقيقة يقر بها العدو والخائن والمتملق والعميل والصادق. والإقرار بها هو نتيجة للحدة التي وصلت إليها أوضاع شعبنا. وهذا الواقع، الذي يزداد احتدادا يوما بعد يوم، بحكم طبيعة المخططات الجهنمية التي يتم تنزيلها وتصريفها على كاهل الفقراء، والتي تستهدف أبسط الخدمات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين بما فيها الحق في الحياة الكريمة، يدفع باستمرار جماهير شعبنا للخروج للاحتجاج والسخط والانتفاض. وهذه حقيقة أمس الجمر والرصاص، كما هي واقع حي اليوم، حيث يقدم فيه شعبنا المزيد من الشهداء والمعتقلين السياسيين. وشهداء الألفية الثانية وقائمة المعتقلين السياسيين وواقع السجون المكتظة خير دليل، وخير كاشف لما يسمى "طي صفحة الماضي" ولمهندسيها المستأجرين. وحتما هو أفق الغد في ظل استمرار سيطرة النظام القائم وما ينتج عنه من أزمات تفتح موضوعيا منعطفات تاريخية، بصرف النظر عن الأحزاب والنقابات. لكن استمرار الوضع اللاتنظيمي للجماهير يفقد الانتفاضات والنضالات الشعبية، القدرة على الاستمرارية، ويحرمها من قوة الاستمرارية، والتحكم في مصيرها. لذا فالاضطهاد والاستغلال والفساد والتفقير، وكل أساليب الاستبداد والهمجية، وكذا أزمات الطبقات المسيطرة وتصدعاتها هي عوامل تحفز الانتفاض لدى الجماهير الشعبية، كما تحفز الانتفاض النشيط. لكن ليس بمقدورها لوحدها أن تولد ثورة في صالحها، وبالدرجة الأولى في صالح المضطهدين والمستغلين، لأن الثورة القادرة على الاستجابة لمصالح الطبقات الشعبية الكادحة هي ثورة يكون فيها العمال والفلاحون الفقراء، المنتجون الحقيقيون للثروة، على رأس السلطة السياسية لضمان تغيير حقيقي لصالح المفقرين والمضطهدين. أي هي ثورة تنسجم والمنظور الماركسي اللينيني. والثورة من المنظور الماركسي، ولما نتحدث عن المنظور الماركسي فإننا نتحدث عن الماركسية اللينينية، تستدعي لتحقيقها أن يرافق التطورات الموضوعية تطور سياسي وتنظيمي ووعي طبقي على مستوى ذات الطبقات الثورية. ودون هذا التطور أو التحول في ذات الطبقات الثورية ستبقى الجماهير مجرد "كتل" للمناورة السياسية لصالح الأحزاب الانتهازية والبيروقراطيات النقابية ولصالح النظام على السواء. وما حصل بتونس ومصر في ركاب حكاية "الربيع العربي" يفقأ الأعين. وهنا يمكن التساؤل: هل الجماهير الكادحة يمكن أن تعبر أو تحقق هذا التطور أو التحول لوحدها؟ وإن كان الجواب بلا، فكيف سيتم أو يتحقق ذات التطور في جسم الطبقات الثورية، وتحديدا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء؟
بداية، إن الثورة على الأنظمة الرجعية حتمية تاريخية، إنها ضرورية وآنية وذات ملحاحية في ظل واقع يتسم بالهمجية والتدمير الوحشي وجنون النهب والتفقير والفتك بالشعوب.. واقع يقوده ثالوث الامبريالية والصهيونية وعملائهما من الأنظمة الرجعية اللاوطنية اللاديمقراطية اللاشعبية، ويتفنن في نسج وحبك سيناريوهات لحروب الفتك بالشعوب، ونهب أرزاقها وثرواتها وقوت أبنائها وتدمير أساسها الاقتصادي والاجتماعي. وهو ما لم تعد الشعوب قادرة على تحمله. وحتما يدفع، وينضج، باستمرار وضع الاحتجاجات وشروط الانفجارات العنيفة وموجات الغضب الشعبي. وهي حالة يستحيل إنهاؤها في ظل استمرار عواملها الموضوعية، أي قبل إنهاء العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المؤسسة لها وتحقيق طموحات الكادحين وفي مقدمتهم منتجي الثروة. لكن ما يساعد الأنظمة الرجعية والامبريالية والصهيونية في هذه المرحلة التاريخية الصعبة كمنعطف خطير في حياة الشعوب المضطهدة، ويمكنهم من الالتفاف على نضالات الشعوب وثوراتها، وتمييعها، وتخريبها، وتحويل مساراتها لخدمة استراتيجياتهم، هو الفراغ السياسي الذي تملأه الأحزاب العميلة والمنبطحة والمتواطئة والانتهازية والقوى الظلامية والقيادات النقابية البيروقراطية والجمعيات الطفيلية، كنتيجة لغياب البديل في شخص قوى منظمة على رأس هذه الجماهير، ومحملة بمشروع مجتمعي نقيض يهدف إلى هدم أركان النظام المتهالك وبناء بديل حقيقي لتدشين المجتمع الاشتراكي. وهذه هي الأزمة الحقيقية، أزمة قيادة الجماهير المفقرة، أزمة قيادة الطبقة المتعارضة مصالحها مع مصالح مصاصي دمائها والتي لم تقدر على خوض الصراع بكل أشكاله على قاعدة مستقلة طبقيا. والاستمرارية في النهوض المتصاعد لغاية تحقيق الهدف لا يتحقق إلا عندما تتولى الجماهير الشعبية، والطبقة العاملة بالخصوص، أمرها السياسي والتنظيمي بنفسها، عبر منظماتها المستقلة عن كل الأعداء الطبقيين، بما فيها البيروقراطية النقابية والجمعوية وكل الأحزاب العميلة والانتهازية والمرتزقة. لأن في حالة عدم الاستقلالية ستبقى عبارة عن كتل للضغط والمناورة السياسيين لصالح أذيال وعملاء النظام وحلفائه.
إن أي طبقة غير منظمة لن يكون بمقدورها تحقيق أهدافها ومشاريعها السياسية والمجتمعية. لهذا فالجماهير الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، اليوم ودائما، من مصلحتها أن تكون مستقلة عن كل أعدائها الطبقيين. فمصلحتها الطبقية تدعوها إلى النضال على قاعدة مطالبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تتناقض ومصالح مستغليها، وهي مطالب في عمقها وبعدها جزء لا يتجزأ من المهمات الثورية المطروح تحقيقها. فموقع الطبقة العاملة الحقيقي والطبيعي هو أن تكون جزء لا يتجزأ من الحركة الثورية، ودورها هو الوقوف على مقدمة ورأس النضال والمقاومة الشعبية من أجل الخلاص من مستغليها وناهبي ثروات الشعب وقوت أبنائه والذين يعرضون مصيرهم للدمار وحياتهم للمجهول. ولتقوم الطبقة العاملة بمهمتها التاريخية يجب أن تكون لها أداتها الثورية المكافحة. ولهذا نقول إن الأداة الثورية هي مهمة مستعجلة وضرورة تاريخية ملقاة على عاتق الثوريين الفعليين، لأن وجودها هو من سيقلب المشهد ويجعل فعلا الطبقة العاملة على رأس الحركة الجماهيرية ويجعل من مشروعها الثوري ذي الأفق الشيوعي هدفا حقيقيا لها. وعلى هذه المهام المنسجمة، وهذا الأفق، يجب أن ينكب الثوريون، الماركسيون اللينينيون، في اللحظة التاريخية الراهنة وبدون تردد، ودون تخلف، ودون أي انزياح عنه بالانجرار حول الحروب الهامشية المصطنعة والموجهة من الخلف بعناية ودقة فائقة من العدو.
لهذا نقول ونكرر بدون ملل، وللتاريخ والحقيقة، إن المهمة تحددها حاجة الحركة الجماهيرية بشكل عام من أجل إحراز النصر. وحاجتها الضرورية في المرحلة التاريخية التي نجتازها هي قيادة تنبثق منها وتثق بها، أي تثق بها الجماهير، وتثق بقدراتها على القيادة بشكل سليم وصحيح ومبدئي. ووفق هذا المنظور تكون القيادة جزء من حركة الجماهير، لكنه جزؤها الواعي والنشيط والفاعل والأكثر قدرة على إدارة الصراع بطريقة صحيحة. أما من يتواجد خارج حركة الجماهير، فلن يكون له دور القيادة مهما كانت شعاراته ومواقفه، ودوره لن يكون إيجابيا سوى في انخراطه من جانب الدعم والتأييد والمؤازرة والتضامن للرفع من معنويات المنخرطين المباشرين في الصراع الطبقي. وفي حالة العكس، أي في حالة التشبث بالقيادة من خارج الفعل، فلن ننتظر سوى إعادة استنساخ النكسات والتجارب المأساوية. وهو ما يعني أن القيادة الصحيحة لحركة الجماهير في الصراع ضد أعدائها هي القيادة التي تدرس إمكانيات الحركة وقدراتها وتدرس إمكانيات العدو وخططه، وعلى ضوء ذلك تبلور التكتيك الملائم لخوض معركة التصدي، بوضع الخطط النضالية والتعبوية والتحريضية وبإقناع الجماهير بضرورتها. هي قيادة تدل جماهير الحركة وبالدرجة الأولى الطبقة العاملة على طريق قويم للنضال، محكوم بحسابات دقيقة للقوى الطبقية ومحمل بالعزيمة وبرغبة الوصول الى الهدف لنصرة القضية. وعلى هذا الطريق تنبثق النضالات الثورية الواعية المنفلتة من قبضة الأعداء وعملائهم والقادرة على خوض التحدي في المعارك المصيرية. وهذا لا يعني أن القيادة بإمكانها تعيين أو تحديد توقيت الثورة أو موعدها، فالثورة تنضج أسبابها العميقة في شروط وظروف الحياة الاجتماعية، والقيادة معنية بتقدير القوى الطبقية وبتنظيم المقاومة والمجابهة مع النظام في كل أطوار المعارك الفاصلة في الثورة كلما بلغ السخط أقصى درجات التفاقم والتأزم...".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق