استمرار الاعتقال السياسي من استمرار النظام القائم...
لم يتوقف القمع السياسي ببلادنا يوما في مختلف صوره وأشكاله وألوانه، ولم يستثن الرجل ولا المرأة ولا الصغير ولا الكبير...
ولا غرابة في ذلك في ظل نظام لاوطني لاديمقراطي لا شعبي خادم للرجعية والصهيونية والامبريالية. ويعد الاعتقال السياسي من أبشع صور القمع بعد القتل والاغتيال، ومن يعتبره ملفا سياسيا بدل قضية طبقية يضع نفسه بالمكشوف في خندق النظام القائم. فلجوء هذا الأخير الى الاعتقال السياسي والقمع عموما يهدف الى تعزيز شروط استمراره على جراح شعب مضطهد يتطلع الى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة. فكل أساليب القمع والقهر ترمي الى تثبيت المخططات الطبقية القائمة على نهب خيرات شعبنا البرية والبحرية والجوية واستنزاف كل طاقاته وموارده لفائدة البورجوازية الكبيرة العميلة، أي الكمبرادور والملاكين العقاريين. وكل محاولة لفضح جرائم النظام وفضائحه والمطالبة بأبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تواجه بالقمع الشرس، من التضييق والترهيب والاستفزاز الى التوقيف والطرد من العمل والتشريد الى الاعتقال والاغتيال/القتل. وتكون التهم والأحكام الثقيلة العصا الغليظة التي تطارد المناضلين وكل المعارضين حقيقة والسيف الحاد على رقابهم وعائلاتهم والمتضامنين معهم أيضا...
وبعودة سريعة الى سجل شعبنا سنجد الأعداد الهائلة من الشهداء والمعتقلين السياسيين السابقين والحاليين والموقوفين والمطرودين والمشردين والمعطلين وحتى المعطوبين، أي ذوي العاهات الناتجة عن آثار التعذيب والاعتقال المادية والمعنوية؛ وذلك في صفوف العمال والفلاحين الفقراء والمناضلين الثوريين من مختلف مواقعهم المهنية والطلبة والمعطلين والمحتجين إثر الانتفاضات الشعبية وأشكال الاحتجاج المختلفة؛ وقد انضاف اليهم النقابيون والجمعويون والصحافيون والمدونون وكل الأصوات الحرة المنددة بالقهر والاضطهاد والفساد...
والقمع السياسي بما في ذلك الاعتقال السياسي لم يقتصر على منطقة مغربية دون أخرى، إنه بالمرصاد لأحرار الشمال والجنوب والشرق والغرب. وتاريخ الانتفاضات الشعبية يوثق إجرام النظام منذ انتفاضة الريف سنتي 1958/1959 وانتفاضة الدار البيضاء في مارس 1965 وعبر انتفاضات أولاد خليفة بالغرب أواخر سنة 1970 والدار البيضاء سنة 1981
والى انتفاضات مراكش والعديد من المناطق سنة 1984 (الشمال والشرق والوسط...) وفاس وتازة وجرادة...
وفي سياق تناول جريمة الاعتقال السياسي، لابد من الإشارة الى أن الأمس كان أقسى من اليوم؛ رغم أن العمق واحد، وهو تدمير المناضل وقتل كبريائه والسعي الى تركيعه، وأكثر من ذلك العمل على توظيفه. وفد نجح النظام الى حدود بعيدة في توظيف جل المعتقلين السياسيين السابقين لفائدة مشاريعه الطبقية، ومنها ما سمي "طي صفحة الماضي" عبر أكذوبة "هيئة الإنصاف والمصالحة". وما يؤكد هذه الأكذوبة عجزها والمجلس الوطني لحقوق الإنسان كذلك عن إصدار لوائح المستفيدين والمستفيدات من المال العام والمبالغ المالية لكل مستفيد ومستفيدة. سبب ذلك يكمن في التعاطي مع الموضوع بمنطق الريع، حيث اعتماد معيار القرب أو البعد من "فرسان" وعرابي العدالة الانتقالية المفترى عليها. ومنهم من أساء الى نضالية المعتقلين السياسيين السابقين والحاليين والى النضال عموما. وحتى ظروف الاعتقال داخل السجن وأساليب التعذيب اليوم ليست كما الأمس. لا ننفي دموية النظام اليوم الثابتة المنسجمة مع طبيعته، ولا أدل على ذلك من اغتيال الشهيد مزياني بدم بارد سنة 2014، لكن ما يتمتع به اليوم بعض المعتقلين السياسيين لم يكن متاحا بالأمس رغم المعارك البطولية، ومنها الإضراب البطولي اللامحدود عن الطعام لمجموعة رفاق الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري (1984-1991). وهذا يفرض نضاليا المزيد من النضال من أجل المزيد من تحقيق/انتزاع المكتسبات. فالنظام لا يعطي من تلقاء نفسه، فكل مكسب أو مكتسب ينتزع بالتضحيات الجسيمة. والهدف من ذلك، أي بعض التحولات الحالية (الفتات...)، هو تدجين المعتقلين السياسيين وتقديمهم كأمثلة مطيعة وخاضعة بعد مغادرة السجن...
ويمكن طرح السؤال: أين الأعداد الهائلة من المعتقلين السياسيين السابقين، منذ الستينيات من القرن الماضي والى الآن، أي لما يزيد عن ستين (60) سنة، أو ما يتجاوز نصف قرن من النضالات البطولية والتضحيات الجسيمة؟!!
وبالمناسبة، ماذا عن المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف الذي تأسس سنة 1999؟
هل هناك من إنصاف ومن حقيقة؟ لا نرى غير استفادة المنبطحين (الزبونية والمحسوبية) وارتقاء "المجتهدين" وطمس الحقيقة بشأن الرفيق الشهيد عبد اللطيف زروال والرفيق الشهيد المعطي بوملي والعديد من الشهداء واستمرار الماضي الأسود في صيغة سنوات الرصاص "لايت"...
ولا يخفى تشكيل عدة لجن وطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين وعائلاتهم وفشلها بسبب الحسابات السياسوية الضيقة لبعض الأطراف السياسية، ومنها المناصرين للقوى الظلامية على حساب القيم اليسارية الديمقراطية والتقدمية والمهادنين للنظام على حساب الشهداء والمعتقلين السياسيين وعائلاتهم...
والمتتبع لقضية الاعتقال السياسي لابد أن يستحضر السياقات والمسارات الراهنة التي تختلف عن سابقاتها، ولا تخرج اليوم عن دائرة ردود الفعل وتصفية الحسابات وبعض أساليب الترهيب...
وبمناسبة ذكر لجن التضامن، فقد نبتت هذه الأخيرة كالفطر. وتجد لجنة التضامن مع معتقل دون الآخرين، وتجد لجنة أخرى للتضامن مع معتقل ينتمي الى هذه الجهة دون أخرى، ويتم تغييب العديد من المعتقلين بسبب مواقفهم أو انتماءاتهم وكذلك عائلاتهم. وقد عانى من هذه الانتقائية المقيتة الطلبة المعتقلون السياسيون بفاس ومعتقلون آخرون غير محسوبين عن محتضني لجن "الحواري". وصار معيار "التضامن" الولاء والانتماء الى "القبيلة". وقد انخرطت في هذا المنحدر الجمعيات الحقوقية والائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ذات العلاقة ببعض الأسماء المتاجرة بقضية الاعتقال السياسي وبهذه اللجن المصنوعة على المقاس.
وأمام هذه الوضعية الشاذة، أصبح المستفيد الأول هو النظام الذي عمق ميوعة المشهد وضرب الأخماس في الأسداس بغية خلط الأوراق والطعن في مصداقية المعتقلين السياسيين المناضلين. ومن بين المستفيدين أيضا جماعات طفيلية تقتات على معاناة ضحايا القمع السياسي بمختلف ألوانهم...
المجد لشهداء شعبنا؛
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين؛
النصر لقضية العمال وكافة بنات وأبناء شعبنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق