بيروقراطية القيادات النقابية... إلى أين؟؟
النقابات/النقابة هي تنظيم عمالي يهدف إلى حماية والدفاع عن مصالح العمال وتحسين ظروف عملهم في مواجهة استغلال الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج، أي البورجوازية، وبالتالي فهي تعتبر أدوات للنضال الطبقي؛ حيث تعمل كذلك من أجل توحيد العمال لمواجهة القمع (اقتصادي وسياسي) الذي تمارسه الطبقة المستغلة (بكسر الغين).
إن النقابات ليست مجرد وسيلة لتحسين الأجور أو ظروف العمل، بل هي جزء من الصراع الطبقي الأوسع لتغيير نظام الاستغلال والاضطهاد الطبقيين نفسه، تمهيدا لتحقيق التغيير الجذري في المجتمع. وتهدف كذلك إلى تنظيم وتثقيف الطبقة العاملة وزيادة وعيها الطبقي، إنها مدارس يتعلم فيها العمال من خلال النضالات اليومية طبيعة الصراع الطبقي وحتمية التغيير الثوري. وليست بأي شكل من الأشكال بديلا عن الحزب الثوري، حزب الطبقة العاملة.
إن الأزمة الخانقة التي تعيشها النقابات اليوم والتي تتضح من خلال تخلفها عن القيام بأبسط مهامها ألا وهي الدفاع عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة في وجه الهجوم الكاسح الذي يشنه النظام الرجعي، والمتمثل في توالي الزيادات الصاروخية في الأسعار والإغلاقات المتتالية للمعامل/المصانع والتسريحات الجماعية للعمال وتشريدهم (نموذج عاملات وعمال قطاع النسيج سيكوم سيكوميك بمكناس) و التراجعات على كل المستويات (سياسية/اقتصادية) ومتابعة واعتقال المناضلين النقابيين وتلفيق التهم لهم؛ فإن النقابات (ونعني أساسا قياداتها البيروقراطية) لا تقوم برد فعل ولا تتصدى لكل هذا الإجرام، ولو بشكل محتشم.
إن النقابة أداة للنضال من أجل تحسين ظروف العيش والدفاع عن المكتسبات المادية للشغيلة، وهي بهذا المعنى إصلاحية، أي تدافع عن تحسين شروط العبودية. وإنها حتى أثناء النضالات الخبزية المحضة منظمة توحد العمال كطبقة ذات مصلحة طبقية واحدة وتساعد العمال والشغيلة عموما على فهم واستيعاب قوتهم الجماعية، الشيء الذي يجعلهم يصطدمون بمحدودية الإصلاحات في ظل قوة وهجوم الرأسمال، لأن كل ما يحققونه يبقى مهددا باستمرار بالتراجعات، كما أن كل ما يقدم لهم باليد اليمنى (كالأجور مثلا) يؤخذ منهم باليد اليسرى (التضخم...).
إن الطبيعة الانتهازية التي تتميز بها القيادات البيروقراطية تقتصر على النضال من أجل التحسينات وفقط، أي الوجه الأول من أوجه الصراع الطبقي، ويغيب فهمها على الوجه الثاني بل تحاربه حتى أنها تصير مستعدة للتخلي عن النضال ولو الإصلاحي المحض، إذا ما ظهر أنه يمكن أن يتطور في تجاه ثوري. وهذا ما يفسر تخاذل البيروقراطية النقابية في عدة مناسبات ضد الهجومات والضربات المتتالية الخطيرة. إن إفراغ النقابات من مضمونها الكفاحي من طرف القيادات البيروقراطية يخفف عنها الضغط والرقابة من تحت (أي من القواعد) لتصير أكثر فأكثر رهينة لضغط هجوم الرأسمال فتكون سرعة انحطاطها واندماجها في مخططات النظام الرجعي مرتفعة جدا. وهو ما نعيش في ظله اليوم حيث تتقلص حتى المطالبة بالمطالب الخبزية نظرا لارتماء القيادات البيروقراطية في أحضان القوى المعادية لمصالح العمال، مما يجعلها تتقن أسلوب المناورة والخداع بحكم تجاربها الخيانية من أجل الاستمرار في مواقعها وإعادة الثقة والمصداقية لها من طرف القاعدة ولو بشكل محتشم (مثال الدعوة إلى الإضراب العام من طرف الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل).
إن القيادات البيروقراطية صارت متجاوزة تاريخيا، لأنها هي وتكتيكاتها وتصوراتها قاتلة ومدمرة لمصالح العمال، وهي تعي جيدآ ذلك. لكنها لن تستسلم، ستقاوم وتناور وتقاتل من أجل استمرارها في مواقعها، لأنها تمكنها من امتيازات ليست قليلة. إنها مستعدة إلى طرد فروع بأكملها ( مثال المكتب النقابي لعمال وعاملات سيكوم سيكوميك بمكناس، حيث ثم طردهم ومحاكمتهم)، وفصل المناضلين بأكثر الطرق وقاحة وخسة، ومستعدة للتحالف مع أجهزة النظام الرجعي لإنجاز هاته المهمة القذرة.
إن البيروقراطية النقابية هي تشكيل اجتماعي رجعي في جوهره، فرغم أن الجميع يتحدث عنها والنضال ضدها فإن دلالته تختلف من تيار إلى آخر ومن مناضل إلى آخر، الشيء الذي يجعل التعامل معها يختلف من تيار إلى آخر. إن البيروقراطية النقابية ليست بظاهرة مقتصرة على نقابة واحدة أو فترة زمنية واحدة، بل لديها جدور عميقة.
نحن نؤمن بأن تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم، وليس بالنضال الموسمي، هذا النضال قد يكون مدفوعا بنوايا ربما حسنة لكنه دائما سلبي.
إن ثقتنا في قدرة الطبقة العاملة على تغيير المجتمع بأسره تجعلنا متأكدين تماما من قدرتها على تغيير منظماتها واستعادتها وتطهيرها بمساعدة/توجيه حزبها الثوري وكافة المناضلين الثوريين. يجب على المثقفين/المناضلين الثوريين أن يمتلكوا تصورا متكاملا للنضال ضد البيروقراطية، بدء من عزلها عن القاعدة التي تستند إليها وكسبها أي تلك القاعدة إلى رايتهم عن طريق الإقناع والتثقيف والتكوين على قاعدة النظرية العلمية (الماركسية اللينينية)، بدل الانصهار في خط البيروقراطية بذرائع فارغة ووهمية.
إن النضال ضد البيروقراطية وكشف تناقضاتها هو نضال سياسي في جوهره، ويستلزم الوضوح الفكري والنظري لأنها تشكل عائقا كبيرا وسدا منيعا أمام تقدم النضال العمالي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق