الحركة الاحتجاجية بفرنسا 2025...
تُعدٌّ فرنسا بلد الصراع الطبقي والثورات الاجتماعية منذ قرون (Le Désastre de Pavie Trente journées qui ont fait la France, 24 Février 1525, Jean Giono de l’académie Goucourt). ونشير في هذا الصدد الى الثورات المتعاقبة 1789, 1830, 1848 و1871 ثم الى الحروب القديمة والحديثة بما فيها الحربين العالميتين وما تلاهما من نضالات طبقية سياسية ونقابية.
بعد ثورة 1789، أي ما يعرف بالثورة الفرنسية، أسّست الطبقة البرجوازية الفرنسية نظامها الاجتماعي، الرأسمالية، المستمر الى غاية الآن رغماً عن العواصف وتغيير نظامها السياسي بآخر الى غاية سنة 1958 (تعاقُب الملكية والجمهورية).
أما الطبقة العاملة، فقد فشلت الى حدود الآن في إرساء قواعد وأُسُس نظامها الاجتماعي، الاشتراكية، رغما عن ثوراتها والكثير من الدم الذي سال ولا زال من شرايينها.
نستحضر بإيجاز شديد هذا البعد الاجتماعي والتاريخي للصراع الطبقي بفرنسا بمناسبة الحركات الاجتماعية والنضالات السياسية منها والنقابية الحالية، محاولة منا فهم ما يجري وماهي آفاقه ارتباطا بالواقع الحالي والمشهد السياسي المتعلق به.
انطلقت الدعوة للاحتجاج والإضراب منذ شهر يوليوز الماضي على غرار ما يُعرف بحركة السترات الصفراء(Mouvement des Gilets Jaunes) ، ودائما في عهد/زمن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. انتشرت الدعوات المختلفة تنادي بوقف العجلة الاقتصادية والمرافق الإدارية والاجتماعية، أي "لنوقف كُلّ شيء" (Bloquons tout/Block Everything)، وتنوّعت الأساليب والآليات (مظاهرات وقوافل وإشعال النار في الحواجز وإغلاق الممرّات والتصدي لأجهزة القمع المختلفة...). ونذكُر من بين ما أجّج الاحتجاج، عزم الحكومة على تخفيض الإنفاق العام واتخاذ تدابير تقشفية مجحفة، وذلك خدمة للدين العام الكبير والمتفاقم...
وأوّل ما يمكن أن نسجله وبوضوح هو غياب شعارٍ مركزيٍّ يؤطر سياسيا الدعوة للاحتجاج والتظاهر والإضراب من أجل تعطيل ووقف السّير العادي للمؤسسات الاجتماعية والإدارية والاقتصادية والسياسية.
هل هدف الحركة هو إسقاط النظام كما هو حال ثورات 1789، 1830، 1848، 1871؟
لا شيء يُذكر من هذا القبيل…
هل يمكن الحديث عن مطالب سياسية من قبيل تغيير النظام السياسي والدستوري للنظام الحالي؟
لا شيء يمكن تسجيله كذلك في هذا الباب…
هل يمكن الحديث عن ملف اجتماعي؟ لا شيء…
يمكن كذلك أن نسجل وبحسرة أن الحركة الاحتجاجية التي نالت كل العطف والتضامن الشعبي والعالمي، ونحن من ضمن المتضامنين معها، تميزت بالارتباك والتسيب التنظيميين والسياسيين رغما عن الدعوات السياسية والنقابية للمشاركة.
هل هذا الغضب الشعبي المتميز هو حركة اجتماعية من أجل الحركة؟
إنه يبدو كذلك، جسدٌ رخو بدون هيكل عظمي؛ قد لا ينجو من عواصف وشروط الصراع الطبقي الضاري رغما عن متمنيات ورغبة الشعب الفرنسي في تغيير النظام الحالي…
حاولت التنظيمات السياسية اليسارية والنقابية أن تسجل حضورها عكس ما ذهبت اليه وما سجلته من موقف سلبي تجاه حركة السترات الصفراء.
بالنسبة للنقابات أو على الأصح القيادات النقابية على الصعيد الوطني وحتى الجهوي، عملت بما يسمى العمل السياسي الحد الادنى تخوُّفا من تجاوزها من طرف القواعد العمالية والاتحادات المحلية، وأصدرت بيانات التضامن والدعوة للمشاركة في الاحتجاج والإضرابات. لكن ليس على المستوى الوطني بل محليا فقط، أي أن النقابات تفادت تحمُّل أي مسؤولية ودعت ليوم الإضراب بتاريخ 18 شتنبر الحالي. بمعنى آخر، إن النقابات العمالية لا ترغب في حركة احتجاجية قد تتجاوز سقف أجنداتها وحساباتها الداخلية. إن القيادات النقابية في وضعية حذرٍ سياسيٍّ ليس فقط من قواعدها المنظمة بل من طرف أوسع الجماهير الشعبية غير المُنظمة سياسيا ونقابيا.
أما فيما يخُصّ القوى "اليسارية"، أي المحسوبة على اليسار، فإنها محكومة ووفيّة بالخصوص لخططها الانتخابية لبسط برامجها لتفوز بالسلطة التنفيذية والتشريعية في إطار الأزمة التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي. علما أن مشاريعها أي مشاريع القوى "اليسارية" الفرنسية الحالية تقِلُّ بكثير، لدرجة انعدام المقارنة، عن مشاريع القوى السياسية الثورية إبان ثورتي 1848 و1871.
نشير الى نقطة مهمّة، وتتجلى في انتظام تجمُّعات شعبية عامة ليس فقط من أجل تحضير وتأطير الحركة الاحتجاجية بل من أجل استمرارها والبحث في ربطها بقضايا العمال ودعوة نقاباتهم الى يوم وطني للإضراب المصادف ليوم 18 شتنبر 2025...
في الأخير، نسجِّل تضامننا مع الشعب الفرنسي وطبقته العاملة ونضالهما ضد النظام الرأسمالي وجرائمه بفرنسا وخارج فرنسا، وندين دعمه للكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية ومن بينها النظام الرجعي القائم بالمغرب...
إضافات:
فيما يلي بعض المعطيات حول المشهد السياسي الفرنسي الآن:
- أهمّ الأحزاب السياسية "المعارِضة" التي حجبت الثقة يوم 08 شتنبر 2025 عن الحكومة الفرنسية، برئاسة فرانسوا بايرو: حزب فرنسا الأبية (La France Insoumise) والخُضر (Les Verts) والحزب الشيوعي (Parti Communiste) والتجمع الوطني (Rassemblement National) والحزب الاشتراكي (Parti Socialiste)؛
- كانت نتائج التصويت بالجمعية الوطنية كالآتي: 364 صوتا لفائدة سحب الثِّقة، مقابل 194 صوتا لصالح الحكومة؛
- عيّن الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 09 شتنبر 2025 وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو رئيساً جديداً للوزراء، خلفاً لفرانسوا بايرو، بخلفية إيجاد توافقاتٍ جديدة على أرضية ميزانية 2026، علما أن عجز ميزانية 2025 في أشهرها السبعة الأوائل قد بلغ 142 مليار يورو...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق