الكيف أو القنّب الهنْدي "يُحيي ويُميت"...
منذ زمنٍ بعيد، والكيف أو القنب الهندي يقتل المزارعين البسطاء الفقراء وبناتهم وأبنائهم في جبال الشقاء والبؤس؛ ويُحيي، بل ويغني الوسطاء والسماسرة والمافيات المحمية التي تقتل الأبرياء وخاصة الشباب المستهلك الأول من خلال الاستعمالات المشينة بعيدا عن الاستعمالات "الطبية والتجميلية والصناعية" كما يتم الترويج لذلك. ونتذكّر جميعا الفضائح التي سقط في حبالها العديد من الأسماء البارزة المتاجرة بحياة ومستقبل الشباب بالخصوص. لقد كان الكيف مصدر الثروة بامتياز على مستوى التسويق وليس الإنتاج. ويمكن تتبُّع أثر مافيات الكيف بالداخل والخارج، ويعتبر تبييض الأموال مخرجا مريحا لها، خاصة عبر العقار بشمال المغرب واسبانيا. ولا أحد يجهل طرق الحماية لتسويق الكيف بالمغرب والخارج، ومن بينها ما يسمى ب" شراء الطريق"، برا وبحرا وجوا...
وحتى بعد "تقنين" زراعة وتسويق الكيف بمناطق الحسيمة (كتامة...) وشفشاون وتاونات من خلال القانون رقم 13.21، لم تتوقف المافيات العارفة بشعاب الشمال وبالإعمال "الذكي" للمال والتكنولوجيا عن التسويق تحت الضوء وفي الظلام داخل المغرب وخارجه.
ومعلوم أن "التقنين" قد مرّ عبر مراحل، حيث تمّت المصادقة على مشروع القانون 13.21 سنة 2021، إبان حكومة الحزب الرجعي الظلامي العدالة والتنمية بقيادة سعد الدين العثماني، وليدخل حيز التنفيذ في نفس السنة. وقد تليّ ذلك تأسيس الوكالة الوطنية (ANRAC) التي أعطى انطلاقتها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت سنة 2022، الوكالة التي تسهر على الورق على الأنشطة المتعلقة بالمجال.
إن المزارعين الفقراء يجدون أنفسهم بعد عملية "التقنين" المجحفة وجهاً لوجه مع حوالي 11 تعاونية بمثابة شركات احتكارية تفرض عليهم أسعارها وشروطها، وكثيرا ما اشتكوا من تماطلها في أداء مستحقاتهم. وصاروا يحنّون رغم العفو الذي استفاد منه بعض المتابعين قبل تنزيل قانون "التقنين" إلى وضع سابق، يوم كانوا أسياد أنفسهم. وكثيرون اليوم يرفضون الخضوع لهذه التعاونيات والقوانين التي تكبِّلهم باسم "التقنين" وتزجّ بهم في براثن الديون والملاحقات والبؤس (من جديد). فمن ملاحقات مرحلة الإنتاج والتسويق غير "القانونية" إلى مرحلة الملاحقات "القانونية" المؤطرة بقانون "التقنين". وليس غريبا أن يحتجّ المزارعون الضحايا (أكثر من 100 مزارع) وعائلاتهم بواسطة مسيرةٍ مؤخرا (05 غشت 2025) بغفساي نحو مقر عمالة تاونات، رغم الرّعب الذي يتملّكهم والتحكّم المكشوف الذي يمْلي عليهم خطواتهم ويفرض عليهم الخضوع والاستكانة...
إن الخاسر الأول بعد "التقنين" هو المزارع الفقير وعائلته وكذلك البيئة المتضررة من استعمال المواد الكيماوية التي تفرضها بعض الحبوب (الزريعة) المستوردة من الخارج، أي الزريعة غير "البْلْدية". والرابح الأول هو الوسيط وعرّابوه بالداخل والخارج، أي المستثمر المافيوزي؛ المتاجر بكامل الحرية باسم القانون وخارج القانون، بالسوق المحلية والدولية...
وتبقى مخططات النظام القائم المُسماة تنموية وضمنها شعار الدولة الاجتماعية فارغةً من أي مضمون مجتمعي يتوخى فعلا القضاء على الفقر والهشاشة بهذه المنطقة أو تلك، إنها مخططات طبقية منسجمة كل الانسجام وبالدرجة الأولى مع المصالح الطبقية للنظام وقاعدته الطبقية (البورجوازية الكبيرة) ومع توصيات المؤسسات المالية الإمبريالية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق