الاحتجاجات العفوية ومهامنا...
إن أهمية النضال الثوري المنظَّم لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تجعلنا ننكر قدرة الاحتجاجات العفوية على إحداث التغيير، ولو في حدود. إن الصعود العفوي لحركة أوسع الجماهير الشعبية المضطهدة، وخاصة في صفوف العمال والفلاحين الفقراء، هو مرحلة من مراحل الصراع الذي ينتج عن الوعي الطبقي الجنيني كما وصفه لينين. فتراكُم المعاناة الاقتصادية يولّد حتما الانفجارات العفوية، وتراكم محطات الصراع الطبقي يولد الانفجارات التي تتجسد في الأشكال النضالية الكبرى مثل الانتفاضات الشعبية. ولعل شروط التضحيات البطولية والانتفاضات المتتالية منذ الاستقلال الشكلي إلى حدود الآن مثال حي لذلك. فاستمرار أزمة النظام الهيكلية ودورها في تكثيف وتعميق الشروط الموضوعية لنمو الحركة الجماهيرية بشكل عام، أزمةٌ تتطور وفق سياق عالمي يعرف نموا مضطردا للأزمة العامة للإمبريالية. إن الطابع الأول للحركة الجماهيرية هو النمو، لكن هذا النمو لا يسير في خط يؤدي به إلى الهدف المنشود مباشرة؛ بل في خط ملتو وفضفاض ومعقد بسبب غياب الأداة الثورية. أما الطابع الثاني فهو اتسامها بالعفوية كخط أساسي. لذلك، فعلى المناضلين الثوريين حقّا النهوض بمهمات نضالية ملموسة لتجاوز هذه العفوية (عفوية الجماهير)؛ مع العلم أن ذلك يتم في ظروف تتميز إضافة إلى تعمق أزمة النظام بمجموعة من السمات منها ارتمائه الكلي في أحضان الإمبريالية والصهيونية والدفاع عن مخططاتها في المنطقة والسهر على تنفيذها ليثبت دوره عميلا أمينا لها؛ زد على ذلك إفلاس الإصلاحية المقيتة وانفضاح دور البيروقراطية النقابية التي أصبحت تشكل الذراع القذر للباطرونا وبالتالي القيام بأدوار إجهاض ومحاصرة أي خطوة نضالية من داخل مواقع الإنتاج، مما يلقي على عاتق المناضلين مهاما جسيمة تجاه الحركة الجماهيرية ونموها العفوي بشكل عام والحركة العمالية بشكل خاص.
و التحليل المستمر والمتواصل لتطورات الوضع السياسي في كل فترة محددة مهمّةٌ أساسية بالنسبة للمناضلين الماركسيين اللينينيين. وكما عبرنا عنها في كتابات عدة، فإن هذا التحليل لا بد أن يستند الى رؤية طبقية للأوضاع وربط الأحداث الجارية بالتراكمات التي راكمها أبناء وبنات شعبنا طوال عقود من الاستغلال البشع والقهر. لذلك، فإن أي إجراء ترقيعي فضفاض يمكن أن يلجأ إليه النظام الرجعي القائم في الوقت الحالي هو محاولة منه للتمويه وكسر دينامية الاحتجاجات وخلق أرضية ملغومة لترتيب بيته وأوراقه من جديد. ولعل كل الأبواق الملتفة حوله من قوى سياسية انتهازية وقيادات بيروقراطية نقابية وجمعيات التطبيل، كلها أدوات مُخوّل لها هذه المهمة كما حدث في انتفاضات شعبية عدة.
إن سياسة القمع والترهيب النفسي والجسدي والاعتقالات الجماعية والتعذيب في المعتقلات والمحاكمات الصورية المشبوهة وتصعيد النهب والاضطهاد والاستغلال الطبقيين هي الأسلوب الوحيد للنظام القائم اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي. وذلك ما يعتمده بصورة متزايدة مصحوبا بالدعاية للفكر الرجعي لخلق أسس إيديولوجية لسياسته الرجعية وسط الجماهير، وتوسيع عملية "تنظيف"/تجفيف ساحة الصراع الطبقي من حضور أي قوة مناضلة.
إن أبناء الشعب المقهور الذي يواجه ظروفا أشد من تشريده وتفقيره لا بد أن يهيء الشروط المطلوبة لنموٍّ آتٍ للحركة الجماهيرية في المسار العفوي نفسه. ونؤكد مرة أخرى على الطابع العفوي لهذا النمو ولجسامة مهامنا اتجاهه، فجماهير العمال التي واجهت عملية النهب والسرقة والاستغلال والاستعباد في مواقع الإنتاج بالنضالات النقابية بهدف تحسين وضعيتها المادية والمعنوية؛ هؤلاء العمال يجدون أنفسهم اليوم في شروط أعمق من الاستغلال بواسطة الإجهاز عن أبسط الحقوق النقابية، بل في شروط العبودية بعدما أصبحت القيادات البيروقراطية أداةً لتلجيم وتكسير وسد منيع في وجه أي فعل نضالي. ولعل تجربة عاملات وعمال سيكوم ميك بمكناس هو نموذج حي لما تعيشه الطبقة العاملة من مأساة ومعاناة لا توصف...
إن تكثيف الإمكانيات المتواضعة مرحليا من أجل اكتساب مواقع ثابتة تمكننا من تنظيم وقيادة الحركة الجماهيرية بشكل عام والحركة العمالية بشكل خاص للخروج من عفويتها قدر الإمكان. إن تجاوز هذا النمو العفوي هو ما ينبغي أن يحدد مهماتنا بما يضمن للحركة الجماهيرية نموا مضطردا ومنظما وتغيير موازين القوى تدريجيا لمصلحة هذا النمو، أي بما يطور ويحدد انبثاق الأداة الثورية؛ فنحو هاته الواجبات ينبغي أن تتجه مهماتنا وتحليلاتنا...
إننا، باعتبارنا ماركسيين لينينيين، يجب ويستلزم المشاركة الميدانية إلى جانب أبناء وبنات الشعب. فلا يكفي لتجاوز النضالات العفوية مجرد الابتعاد عنها، بل الحضور ضمنها وفي عمقها وتنظيمها وفق إمكانياتنا الذاتية وأينما توفرت الشروط من أجل الرقي بها لمصلحة ومستوى تقوية النضال المنظم للحركة الجماهيرية وتمتين قوانا وتصليبها "تحت نيران العدو"...
إن القراءة الصحيحة للمعطيات وعناصر الواقع يحتاج إلى استحضار نقط القوة والضعف لمسارنا وموقعنا ومهامنا الآنية والمرحلية والمستقبلية تجاه معارك شعبنا وتحليل دقيق لشروطنا الذاتية والموضوعية؛ خارج هذا الفهم سيؤدي بصاحبه/أصحابه إلى الخروج عن السكة الصحيحة وإلى إعادة إنتاج خطابات افتراضية بعيدة عن الواقع الملموس...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق