تونس: من شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الى شعارات "رمادية"...!!!
قدّم الشعب التونسي مثله مثل كل الشعوب المضطهدة تضحيات جسيمة، وهو صاحب تجربة سياسية ونقابية غنية. وكلنا يتذكر، من بين ما نتذكر، ملحمة الشهيد محمد البوعزيزي التي ألهبت الثورة المُجهضة بتونس سنة 2011، مؤطرة بشعار "الشعب يريد إسقاط النظام". وبعد فرار الرئيس السيء الذكر بنعلي، تفاءل الشعب التونسي متطلعا الى مستقبل تسود فيه الحرية والديمقراطية والعدالة...؛ مختزلا شعوره النبيل في شهادة مواطن كابد المعاناة الطويلة مفادها "هرِمْنا من أجل هذه اللحظة"...
وعكس مجرى التحرر والانعتاق المنشودين، سقط الشعب التونسي في قبضة الرجعية مرة أخرى ممثلة في حزب النهضة الظلامي، وهو ما حصل ببشاعة في دول عدة تحت تأثير موجة ما سُمّي حينه ب"الربيع العربي"، مثل مصر وقبضة عصابات "الإخوان المسلمين" الظلامية. وتواصلت معاناة الشعب التونسي حتى الآن، وذلك ما جعله يواصل المعركة رغم اختلال موازين القوى لفائدة النظام القائم والقوى السياسية الموالية له. وإذ نعتبر الشعارات المرفوعة الآن ومن بينها شعار "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين" وشعار مسيرة 22 نونبر 2025 "ضد الظلم" وشعارات أخرى تندد بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في مجالي الصحة والتعليم، شعارات رمادية؛ فذلك مقارنة مع الشعار السياسي الذي يعكس حدّة الصراع الطبقي بتونس، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام".
وتجدر الإشارة الى أن ما نعتبره رماديا بتونس، نسعى بكل قوة الى اعتماده لدينا. فرغم أن الصراع الطبقي ببلادنا محتدٌّ وساخن، إلا أن جُلّ القوى السياسية متواطئة مع النظام القائم ومن بينها القوى الظلامية، ولا تتردّد في تقويض أي مبادرة نضالية "مزعجة"، بل تساهم بشكل مكشوف في إجهاض المعارك النضالية ومحاصرة أخرى، ونذكر بهذا الصدد المعارك القوية بكل من مكناس وطنجة. ونكرِّر السؤال الذي لا يحتاج الى جواب، لماذا تخلّيتم عن "الجبهة الاجتماعية المغربية" رغم محدودية السقف السياسي لهذه الأخيرة؟!!! ولماذا الغرق في "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع" كأداة بيد القوى الظلامية؟!!!
وكما بتونس والمغرب، فالدرس الأول الذي ينتصب أمام أعيننا هو غياب الحزب الثوري المنظِّم والمؤطِّر لنضالات الجماهير الشعبية الكادحة، وفي طليعتها الطبقة العاملة. فقد أخلف المناضلون بتونس (بعد تضحية الشهيد البوعزيزي) والمغرب (بعد انتفاضة 20 فبراير المجيدة) الموعد مع التاريخ ومع الثورة سنة 2011. وبدون شك، فالانتفاضات والانفجارات الشعبية، سواء بالمغرب أو تونس أو بغيرهما، لن تنتظر المناضلين ليستفيقوا ثم لينتظموا. فلنستدرك الموقف، ونؤسس لتجارب نضالية جديدة ومتجددة، وغير مسبوقة حتى. إننا أمام منعطفٍ تاريخيٍّ حاسم؛ ورغم إجرام النظام الذي لا يتوقف، فنضالات شعبنا بدورها لا تتوقف. لننخرط في نيران الميدان منظَّمين ومؤطرين حتى لا تذهب تضحياتنا سُدى. فلنناضل بحزم من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وانتصار معارك العمال والفلاحين الفقراء وكافة بنات وأبناء شعبنا...
إننا لا ننخدع للفُقاعات الزائلة والشعارات الزائفة، لنتواصل مع الطاقات الشابة التي يهمُّها حقّاً صُنع مستقبل بلادنا وحُلم شعبنا، ولنعتمد بإبداع واجتهاد الأشكال النضالية الفعالة والمؤثرة، وضمنها وسائل التواصل الاجتماعي؛ علما أنه لا بديل عن النضال الميداني والتواصل المباشر بين الرفاق والمناضلين وعن الحضور الفعلي المنظم على كافة واجهات الفعل النقابي السياسي والنقابي والجمعوي...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق